عذرا قارئى العزيز.. فى البداية لا تقودك هذه السطور إلى الإحباط، فلا أقصد منها المقارنة بين حالنا وحال المجتمعات الأوروبية، صدقنى لا أريد بث روح اليأس والاكتئاب فى نفسك، فلست من حاملى شعار "ما فيش فايدة".. فدائما ما أردد.. "لأن تضىء شمعة واحدة خير لك من أن تلعن الظلام".
كنت مندهشا عندما قرأت خبرا مفاده أن فتاة مسلمة "كفيفة" تدعى "منى رامونى"، بالولايات المتحدة من أصول أردنية استعانت بحصان لكى يقودها إلى الجامعة، لإشباع رغبتها فى التعلم، والمثير أكثر للدهشة أنها تصطحب الحصان معها داخل الفصل الدراسى.
لقد دار فى خاطرى الكثير من الأسئلة، من أين جاءت هذه الفتاة بهذه الإرادة والتحدى؟ وكيف استطاعت أن تتغلب على إعاقتها وتأتى بهذه الفكرة الإبداعية لتحقيق ما تريد؟؟ وكيف تقبلها مجتمعها بهذا الفعل الذى يبدو غريباً.. ولماذا تكلف نفسها العناء ولديها طريقة التعلم عن بعد؟ أو والقراءة بطريقة برايل؟؟ وماذا يحدث إذا قامت طالبة فى إحدى الجامعات المصرية بمثل هذا؟؟.. الكثير من الأسئلة استحوذت على فكرى إلا أننى وجدت الإجابة، تكمن فى كلمة واحدة وهى "البصيرة".
نعم "البصيرة"، فإذا كانت الفتاة كفيفة حقاً إلا أن لديها بصيرة العقل، بصيرة ليست عند كثير عند المبصرين.. بصيرة حب العلم والتفكير الإبداعى.. بصيرة التغلب على المعوقات... بصيرة التحلى بالإرادة التى غابت عن طلابنا - الغالبية العظمى منهم - الذين يظنون أن الجامعة مكانا لـ"الحبّـيبة" أو وقتا للتسلية أو مأوى لحاملى "المطاوى" و"السنج" و"البلطجة".!!
بصيرة جعلت المؤسسات التعليمية تـوِفر للمكفوفين وسائل تعلم لم تـوَفر حتى عند المبصرين بجامعاتنا المصرية.. وهو ما قتل عند طلابنا حب المعرفة من أجل المعرفة.. فأصبح الرأس بلا عقل.. والجسد بلا روح.. والمبصرون بلا بصر..
بصيرة سمحت لهذا المجتمع الراقى أن يحترم إرادة هذه الفتاة، فلا مانع من أن يقود غير العاقل العاقل ليتعلم.. بصيرة جعلت أقرانها فى الفصل الدراسى لا يتأففون من وجود هذا الحيوان..
صديقى.. أعود فأكرر، لا أريد أن أقول إن المبصر عندنا أصبح كفيفاً والكفيف أصبح مبصراً، فلست أمام حالة نقف أمامها مبهورين لكى نجلد ذاتنا، ليس هذا مقصودا، إنما المقصود أننا أمام فتاة، كل ما قامت به، احترمت العلم، بل ونفسها، فاحترم المجتمع رغبتها.. فهل ندرك نحن ما قيمة العلم؟!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة