منذ أن أثار الإعلام المصرى زوبعة ترشيح الدكتور محمد البرادعى لانتخابات الرئاسة، ولم يبد الرجل أى نوع من الحيوية فى الفعل أو رد الفعل سوى بعض التصريحات التى يقدر على إطلاق أضعافها أى شخص يتابع الحياة السياسية فى مصر من خلال برامج "التوك شو".
فالرجل الذى لا يبدو زاهدا فى المنصب، ولا يبدو أيضا أنه يمتلك الإرادة الحقيقية لاقتحام هذا الصراع الذى لا ينهيه الكلام، وإنما من الواضح أنه مجرد "مشتاق" أو حالم بأن يكون رئيساً، ربما لإرضاء أسرته التى تطمح بدورها، لأن تتبوأ مكانة مرموقة فى المجتمع مثل سابقاتها.
فواقع الأمر أن الدكتور البرادعى لا يملك كاريزما الزعيم الشعبى حتى لو هتف أنصاره باسمه، غير أنه لم يفعل فعل الزعماء الشعبيين أصلا، وغير واضح أنه يملك الطاقة المطلوبة والضرورية لفعل التغيير، ولا يبدو الآن، كما لم يبد منذ نصف قرن وقت أن كان طالباً أنه من هذا النوع المهموم بقضايا الوطن، والمتصدر للعمل العام، والقادر على التحدى من أجل إنقاذ الوطن من حالة السقوط والتدنى الذى يعانى منه الآن.
فالبرادعى لم يبادر بطرح فكرة ترشيح نفسه، ولكنه دُعى إلى ذلك فراقت له الفكرة، ولم يبادر بالإعراب عن نيته لخوض صراع طويل مع السلطة والمتسلطين حتى ينتزع منهم حق هذا الشعب الذى أبدى قطاع منه استعدادا لقبوله، ولكنه منذ اللحظة الأولى لطرح اسمه، وهو يوحى بأنه ينتظر إما قوى خفية تجلسه على الكرسى، أو انقلابا يأتى به معززا مكرما ليكون رئيسا، أو حتى معجزة سماوية تحدث فتغير الدستور وتقدم له أوراقه وتدفع الناس لانتخابه، ثم ترسل له مندوباً ليأخذه بتاكسى إلى مقر الرئاسة بعد أن يعلن أحدهم نجاحه.
فالرجل كل ما فعله هو أنه دعا إلى تغيير الدستور، ودعا إلى التعددية، ودعا إلى إشراك الإخوان فى الحياة السياسية، ودعا إلى محاربة الفساد، ودعا إلى القضاء على العشوائيات.. فأين الجديد فى كل تلك الدعوات، وكل الناس تدعو بها ليل نهار؟ وإذا اكتفينا بها فلا ندرى إلى من يوجه دعوته؟
فإذا كان يوجهها للحزب الوطنى لينفذها، فعليه إذن أن يستريح، وسوف نوجهها نحن. وإذا كان يريد القول إنه سوف يفعل ذلك بنفسه حال وصوله للرئاسة، فيجب أن نسأله: وكيف ستصل؟ هل عبر زياراتك النصف سنوية للقاهرة؟ أم عبر تجولك فى بعض مدن أصدقائك فى المحافظات مرة كل عام؟ أم من خلال دعوتك للحزب الوطنى أن يغير الدستور من أجل وصولك للرئاسة؟!
فبالرغم من أن الكثيرين هبوا لاستقبال الرجل عند عودته، وكثيرون ذهبوا للقائه فى استراحته أو مزرعته، وكثيرون من الرموز المعتبرة للعمل العام والسياسى فى مصر أرادت أن تورطه فى الفعل العام الذى يبدو متردداً فى اقتحامه، ولكن الواقع يؤكد أن الرجل لديه هموم أخرى غير هذا الهم، وجدول أعماله لم يتسع حتى الآن إلا لبعض ساعات ينشغل فيها بمصر أو يدبج بيانا يدعو للتغيير، وقد اكتشف العديد من أنصاره، ولم يكتشف آخرون بعد أن الأدوار الكبرى لا تأتى بالزج، ولا بالتعيين، ولو كان هذا التعيين من قبل الشعب نفسه، فلابد أن يكون الرجل يمتلك الإرادة الحقيقة للعمل وتحمل تبعاته، وهو ما لم نره منه حتى الآن.
فالدكتور البرادعى وعبر كل الشهور السابقة لم نلحظ عليه فاعلية ولا حراكا ولا نشاطا ولا حماسة ولا حيوية فى خوض غمار المعارك السياسية لينتزع الحقوق الضائعة لهذا الشعب الانبهارى والعاطفى الذى يظن، وبعض الظن هنا إثم كبير، أن كل ما يلمع ذهبا.
فلسان حال الرجل يقول طوال الوقت "روحوا غيروا الدستور وتعالوا". وللإنصاف أنه يبدى استعداده للمطالبة بالتغيير والإصلاح طوال الوقت، وأنه لن يكف عن ذلك، إلا أنه لم يوضح حتى الآن، وهو المنتقد للشعب على عدم فعله، هل هو سيكون بينهم حين يهبون للتغيير، أم سيكتفى بالمتابعة عبر وسائل الإعلام؟ وهل يطرح نفسه كمنظر "دون نظرية" للحراك الشعبى السلمى، أم يطرح نفسه كمحرض ومحرك وقائد ميدانى؟ أم أنه يكتفى بمبدأ "اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون"؟
• صحفى مصرى بجريدة المدينة السعودية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة