مجد خلف تكتب: نظرة فى حظ الأنثيين

الجمعة، 03 ديسمبر 2010 10:56 م
مجد خلف تكتب: نظرة فى حظ الأنثيين صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نشرت إحدى الصحف الصادرة فى مصر مؤخرا مقالا لكاتبه يوسف سيدهم، تناول فيه الظلم الذى يحيق بالمرأة المصرية فى موضوع الميراث، وكان مما كتب: (... إن الرجال هم حجر الزاوية فى تقرير الأمور لأنهم مستفيدون من بقاء الأوضاع كما هى عليه ...)، ( ... ويعجب المرء كيف أن مصر القديمة قدست الأم وبجلت المرأة وساوت بينها وبين الرجل ...)، ( ... ويذكر الدارسون فى التاريخ القبطى أن التشريع القبطى حدد أنصبة متساوية للمواريث توزع بين الذكور والإناث ...) ثم ألحق هذه الفقرات بوصف مايحدث فى مجتمعنا: (... فما بالنا مازلنا نفرق بينهما ونبرر ذلك بمقولات عفا عليها الزمن، مثل الولد بيعول البنت وبيصرف عليها يبقى لازم ياخذ أكثر منها، ومثل البنت مصيرها الجواز وفلوسنا ماتروحش لراجل غريب !!) ثم يقول: (وتظل هذه التبريرات الواهية تسود ويستمر الرجل فى حصد نصيب الأنثيين) .

ولقد هالنى كما هال غيرى هذا الكم الهائل من الخلط ومن تقديم المعلومات المغلوطة عما يحكم المصريين ـ خلا الأقباط ـ فى تطبيق قواعد الميراث، وتخيل الكاتب أن رجال مصر هم من وضعوا هذه القواعد لأنهم مستفيدون من بقاء الأوضاع كما هى عليه، وتعجب من عدم تطبيق التشريع القبطى الذى وضعه أولاد العسال !! وكان مناط نقده لهذا النظام اعتباره تبريرات واهية، ومقولات عفا عليها الزمن، ويبدو أن الكاتب يجهل أن جميع المسلمين لا يد لهم فى وضع هذه القاعدة الخاصة بميراث المرأة وإنما وردت هذه القاعدة كجزء من التشريع الإلهى الحكيم، الذى لم يغفل حق أى من ورثة المتوفى أيا كانت درجة قرابته أو جنسه.
يقول الله تبارك وتعالى فى كتابه الكريم: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِى أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) – النساء 11، هنا يقرر التشريع القرآنى الحكيم نصيب كل من الذكر والأنثى فى إرث من توفى من ذويهم الأقربين ؛ الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت، يرث الأخ ضعف الأخت.

ومنذ فترة ليست بالقصيرة تعالت الأصوات مطالبة بتبديل هذا التشريع الإلهى، وتسعى بعض الجهات والعديد من المفكرين والكتاب إلى تعديل نصيب المرأة فى الإرث ليصبح مساويا لنصيب الرجل، أى يطالب هؤلاء بتغيير ما شرع الله لعباده، لكى تتحقق المساواة - كظنهم – بين الرجل والمرأة فى المجتمعات الإسلامية، وفتحت الجرائد والمجلات صفحاتها ليكتب فيها كل من هبّ ودبّ، كأن المساواة لن تتحقق للمرأة مع الرجل إلا بتبديل كلمات الله، ونقض القانون الإلهى بالأخذ بما وضعه أولاد العسال!
وأقل ما يقال عن هذه الحملات المنسقة؛ توقيتا وهدفا، أنها لا مكان فيها لحسن النية، والهدف الأساس منها تشويه صورة الإسلام وصورة نبى الإسلام، وتدمير صورة صحابته رضوان الله عليهم ؛ الذين أوصلوا لنا الدين، هذا فى الوقت الذى يدخل فيه الناس فى الإسلام أفواجا رغم أنوف أعدائه والمتربصين به.

وعَود إلى إرث المرأة، ولنا فيه بضع ملاحظات:
أولا: فى معظم حالات التوريث ؛ سيكون الوارث إخوة ذكورا وإناثا لأب توفى، أو أم توفيت، فإذا كان المتوفى هو الأب، فإن الأخت تصبح منذ وفاة أبيها تحت رعاية أخيها، يتكفل بطعامها وشرابها ومسكنها وكسوتها وتعليمها، فإذا آن أوان زواجها ؛ زوّجها أخوها وأنفق عليها حتى تصبح فى ذمة زوجها، فيتولاها زوجها بالرعاية والإنفاق، وضعا فى الاعتبار أن لها منذ تزوجت ذمتها المالية المنفصلة عن زوجها، ومن قبل عن أخيها الذى ورثت نصف ما ورث، فمن أين لأخيها أن ينفق عليها، فى ذات الوقت الذى لها أن تحتفظ فيه لنفسها بكل ما ورثت ؟ إلا أن يتكفل الشرع الحكيم أن يرث أخوها ضعف ما ورثت.

ثانيا: إذا أخذنا فى الاعتبار فى الزواج التقارب الاجتماعى، والتكافؤ المالى بين العائلتين، فإن الرجل الذى سيرث واحدا صحيحا سيتزوج من امرأة ورثت نصفا، فيكون الناتج واحدا ونصف، وكذلك أخته التى ورثت نصفا ستتزوج من رجل ورث واحدا صحيحا، فيكون الناتج أيضا واحدا ونصف.

ثالثا: وهى حالة شائعة منتشرة فى مجتمعاتنا ؛ وقد تحدث فى معظم البيوت، الأب الشيخ الكبير مريض وطريح فراشه، بعد أن بلغ من العمر أرذله، وقد تكون الأم كذلك، وأصبح تمريضهما ورعايتهما فى كبر سنهما وعجزهما مهمة تستدعى قوة جسمية إلى حد كبير، إذ يحتاج الأب إلى من يحمله، ويضعه فى فراشه، ويقلّبه، ويطعمه، ويمرّضه، ويبدل له ثيابه، وكل هذا فى إمكان الرجل أن يفعله بما آتاه الله من قوة الجسم ؛ إحسانا لوالديه ورحمة بهما وتقربا إلى الله، أما الأخت فإنها بالكاد تستطيع أن توفى احتياجات بيتها وزوجها وأبنائها، وقد يكون زوجها أيضا ذا أب كبير أو أم عاجزة، فتساعده زوجته وتدفعه إلى رعاية والديه، بل وترعاهما معه، فإذا ما قيّمنا على المستوى المادى والبدنى من يرث أكثر؛ لأدركنا أن حكمة التشريع أعطت للرجل ضعف ما ورثت أخته لقاء ما بذل من مجهود مضنٍ فى حياة أبيهما، لم تكن أخته تستطيع أن تبذل نصفه!!

وهنا تتحقق المساواة والعدل فعلا فى أسمى صورهما، ولا عجب.. فالله تبارك وتعالى أعلم بنا من أنفسنا، (قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا)، صدق الله العظيم، – الإسراء 96.

أما ما يقع من الظلم على المرأة فهو قطعا ليس سببه هذا التشريع الأمثل، ولكن بسبب عدم تطبيقه من قـِبَل الورثة الذكور بجهلهم أو بطمعهم، فلا يؤتون النساء نصيبهن المفروض من الإرث، وهذا التصرف من بعض رجال الأمة لا يعيب التشريع وإنما يدل على سوء التطبيق، وتمكن ثقافة الجشع والطمع والكذب عند البعض الذين من المؤكد أنهم يرتكبون – بمنطق صحيح الدين – كبيرة من الكبائر، أنذرهم القرآن بسوء العاقبة وقسوة العقاب، يقول تعالى فى الآية التى سبقت آية حظ الأنثيين: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) – النساء 10.

إن الفهم الصحيح لآيات القرآن، وتطبيق شرائع الله تطبيقا صحيحا، والتزام الرجال بأحكام الله، هى جميعها الضمان الأمثل ليعم الخير ويسود الوئام والحب والعدل فى مجتمعات الناس كافة، والله من وراء القصد.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة