سليمان الحكيم

فيفا .. قطر

الأحد، 05 ديسمبر 2010 07:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما كان من المفارقات المدهشة أنه بينما نحن مستغرقون فى مصر فى الحديث عن انتخابات مزورة أو نزيهة، ومجلس شعب شرعى أو غير شرعى وأحاديث عن أزمة فى السكر، وفى أنبوبة البوتاجاز، ومترو كثرت أعطاله، وقطارات زادت حوادثها، ولحوم فاسدة تم مصادرتها، ومنازل منهارة على رءوس ساكنيها، واختناقات فى المرور، إلى آخر ما تمتلئ به صحافتنا وأجهزة الإعلام لدينا عن مشكلات متنوعة بين ما هو سياسى أو اقتصادى أو أخلاقى.. بينما نحن مستغرقون فى كل ذلك، يفاجئنا الاتحاد الدولى لكرة القدم بالإعلان عن هزيمة مدوية لحقت ببعض الدول الكبرى، بلى بأكبر دول العالم وأقواها، وهل هناك من هو أقوى من أمريكا عسكريا، واليابان اقتصاديا ومعهما كوريا وأستراليا؟

فمن يا ترى الذى واتته الجرأة على مواجهة تلك الدول الكبرى والدخول معها فى منافسة رأسا برأس وكتفا بكتف؟
لم تكن الجرأة التى ربما وصلت إلى حد الجنون والتهور فى مجرد التفكير فقط فى منافسة دول من الوزن الثقيل مثل أمريكا واليابان، ولكن تفكير المنافس لتلك الدول كان متجها نحو إلحاق الهزيمة بها وليس فقط مجرد المزاحمة أو الوقوف إلى جوارها فى صورة تذكارية، تثير الفخر لديه اليوم وغدا.

لم يكن أكثر الناس تفاؤلا يفكر فى لحظة من لحظات الغفلة أو النعاس أن دولة صغيرة لا يتعدى عدد سكانها المليونى نسمة، ولا تتجاوز مساحتها بضعة آلاف من الكيلومترات المربعة، ولا تكاد ترى موقعها عن خريطة العالم دون استعمال العدسات المكبرة، إن دولة هذه هو شأنها يمكن أن نلحق الهزيمة بأكبر دول العالم وأعناها، ليس هى بطبيعة الحالى روسيا ولا هى بريطانيا، أو فرنسا، أنها دولة قطر الميكروسكوبية.

لم نكن نحن المصريين نعرف قطر إلا فى النكات التى يبدو أننا لا نجيد غيرها، حين كانت محل "التريقه" والسخرية التى فى صحافتنا المسماة بالقومية، وكنا نحن الذين أطلقنا النكات التى تقول إحداها.. إن حاكم قطر حين زار مصر لأول مرة سأله الرئيس عن عدد سكان دولته، فقال إنها أقل من مليون، فرد عليه الرئيس ولماذا لم تأت بهم معك لزيارتنا؟ وفى رواية أخرى، كان رد الرئيس، وفى أى فندق يسكنون؟

هكذا نحن الذين أعجبتنا كثرتنا، وتمسكنا بالزبد الذى يذهب جفاء، ونسينا عمدا ما ينفع الناس ويمكث فى الأرض، ولكن قطر، وعن عمد أيضا لم تنس ذلك، فلم تكن قضيتها فى الكم ولكن فى الكيف.. وهى شىء آخر غير "الكيف" الذى نعرفه فى سهراتنا الضبابية.

لقد فتحت قطر جرحنا الذى يكاد أن يندمل، وما أسرع اندمال جروحنا، ونسيانها! تذكرنا أننا منذ أكثر من خمس سنوات فقط دخلنا نفس المعركة، وليس ضد دول كبير مثل أمريكا ولا اليابان، أو حتى كوريا أو أستراليا، بل ضد المغرب وجنوب أفريقيا، ولم نخرج منها سوى بـ"صفر" سيبقى ملتصقا بعملينا مكان "الصقر" بالفرق بين الصفر والصقر مجرد نقطة..

لم يكن حصولنا عن هذا الصفر اللعين لأى سبب آخر غير سبب ولا أى شىء آخر عندنا يصلح لحمل العبء الذى سيلقى على أكتافنا بتنظيم كأس العالم، والغريب - والمقرف - أن حكومتنا لا تجد شيئا تروج به لحث الجماهير على اختيار مرشحى الحزب الوطنى فى الانتخابات البرلمانية سوى التفاخر بالبنية التحتية التى أنجزتها الحكومة لنا رغم حصولها على الصفر فى أول اختبار دولى لها.

ربما فوجئ الكثيرون منا باختيار قطر لتنظيم كأس العالم، ولكن لا أشارك هؤلاء فى الشعور بالمفاجأة، فقد كان لدى ما يشبه اليقين أنها هى وليس غيرها من سيفوز، بعد أن أصبحت النجم الساطع فى سماء المنطقة والعالم وبعد أن خبأ نجمنا نحن وغابت شمسنا، ودخل القمر المصرى فى طور المحاق.

وإذا كنت تحتاج إلى ميكروسكوب لترى موقع قطر جغرافيا على خريطة العالم، فالأولى بك أن تمسك بالميكروسكوب لترى موقع مصر سياسيا على خريطته، وصدق من قال "العدد فى الليمون، والكثرة فى الرز".









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة