«أيها السادة، أرسلُ هذا الإيميل وأنا يملؤنى الخوف أن تَصْدُق شكوكى السيئة من فقدان الثقة فيمَن نعتبرهم مثقفى مصر الذين ينعقد عليهم الأملُ فى النهوض بالبلد. أرسلُه لكى أعرف مَن المهتم بالناس ومشاكلهم، ومَن لا يهتم إلا بمجد شخصى وتصوير نفسه مناوئًا التدهور الذى حلَّ بمصر.
هذا الإيميل إذا وصلك، فمعنى ذلك انه وصل، فى نفس الوقت، لأكثر من كاتب ومثقف فى مصر، لأرى رد الفعل، إن كان ثمة، لأسقطُ من حساباتى كل من يستحق ذلك. ثم أبحث عمن أثق فى قلمه حتى أتابع معه. الموضوع الذى ألوم فيه جميع من فى الواجهة فى مصر من مثقفين وكتاب وعلماء ورجال أعمال، وأنتم يا أصحاب القلم والفكر، هو الصعيد. هل تذكرين حضرتك كم مشكلة قمتِ أنت بطرحها عن الصعيد؟ كم صرخة من صرخات أبنائه أوصلتِها بقلمك لمن يهتم؟ لماذا لا يوجد فى أى جريدة عمودٌ، ولو أسبوعى، عن مشاكل الصعيد وأهله؟ لماذا لا يُذكر الصعيد إلا حين يكون هناك عزت حنفى أو سعد نوفل فتذهب الكاميرات لتصور لأهل القاهرة الرجل وهو داخل بكفنه زى المسلسلات؟ لا نعرف أحدا من البرامج صاحبة الصيت والشهرة قام بإرسال مُراسل لمعرفة مشكلة من مشاكل الصعيد. أرجو من شخص نحترمه ونقدره زى حضرتك أن يهتم بمشاكل الصعيد ولو بمقال كل فترة.
وعلى فكرة قبل ما أختم أنا شاب عندى قناعة إن أى تطور ممكن يحصل فى مصر لازم يبدأ بشباب من الصعيد المتعلم. وعلى فكرة هم كتير جدا ولديهم تعليم كويس ولو جلست حضرتك مع شباب الصعيد هنا وجلست مع شباب المدن هتعرفى الفرق فى التفكير. أنا مش بقول كده عشان أنا من هناك؛ بس أنا بنقل لحضرتك ملاحظاتى. شباب الصعيد يتكلمون فى جلساتهم فى الثقافة وعن أحوال مصر، عكس شباب المدن ووجه بحرى كل كلامهم عن الأغانى والأفلام. معلش للإطالة ويا ريت تعرضى فكرة عمود عن مشاكل الصعيد فى الجريدة.»
وصلتنى هذه الرسالة «الغاضبة» من أحد شباب الصعيد، غُفلا من التوقيع وغُفلا من عرضه إحدى مشاكل الصعيد التى تحدث عنها. ورددتُ عليه من فورى بالطبع. لا لأبرئ ساحتى وساحة «العاصمة المدللة» من خطيئة تجاهل جزء أصيل وحميم من أرض مصر هو الصعيد، الذى هو أصلُ مصر الراسخةُ فيه قيمُ مصرَ الفرعونيةُ الرفيعةُ قبل التعريب الذى شاب مصرَ، والذى لا يشبهنا فى حقيقة الأمر، فأنا من الذاهبين إلى أن ذاك التعريب غريبٌ على نسيج مصر الأنثروبولوجيّ والعِرقيّ والسيكولوجيّ، لا، لم أقصد إلى تبرئة ساحتى، ذاك أننى لستُ مُتنفّذةً صحافيًّا ولا سُلطويًّا، فلا أمتلك صلاحيات تدشين أبواب فى صحيفة أو مجلة، إن أنا إلا كاتبةٌ أقوم بدوري، كما أظن وأرجو، أسعى مع زملائى الكتّاب للارتقاء بالوعى المصري، حالمةً أن يصل، للمفارقة المُرّة، إلى سابق عهده حتى الخمسينيات الماضية! على إننى لا أنفى عن نفسى تهمةَ الجهل بطبيعة تلك المشكلات التى يعانيها الجنوب، وإن عرفتها فستكون معرفة «الناظر من وراء لوح زجاجى»، وهى معرفة ناقصة. ذاك أن المحن والمشاكل لا تُعرف إلا بالمعايشة والانصهار. سألتُه إذًا أن يطرح ما يريد، على وعد بنقله فى زاويتى. ولهذا حديث قادم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة