حقا إنه الإنجاز الذى يستحيل تكراره.. حقيقة لا تخطئها العين.. النجمة السابعة والتتويج السابع على التوالى للمصريين فى أمم أفريقيا فرحة القرن التى لا تقارن، نعم للأبطال تحت شعار «اللى خايف يروح».. كما ردد الجهاز الفنى فى كل جولاته منذ وطأت الأقدام المصرية مطار لواندا صباح 8 يناير المنصرم.. دهاليز كثيرة.. وكواليس عديدة.. فالنجمة السابعة سطعت من رحم المعاناة ولم تأت نتاج لعبة طائشة أو حظ زائد.
البداية عقب الوصول عصرا إلى مدينة بنجيلا، وذهاب اللاعبين لنيل قسط من الراحة حتى إعداد وجبة من «الحاج أحمد» الشيف المصرى الذى رافق الفريق.
ساعة وتناول اللاعبون الوجبة، ثم سادت حالة من الصمت فى طرقات الأدوار التى شغلها لاعبونا والجهاز الفنى. حجرة شحاتة توجه لها الجميع بطلب من د.أحمد ماجد طبيب الفريق الذى أكد للمعلم أن هناك ثلاثة لاعبين يشعرون ببوادر نزلة برد هم عبدالظاهر السقا وأحمد عيد عبدالمك ومحمد عبدالشافى.. وبعد ساعة من البيان الأول جاء الدور على حسنى عبدربه، وفى اليوم التالى سقط عماد متعب بدرجة حرارة اقتربت من 38.5 درجة!
د. ماجد الذى قال لى إنه يعمل ويداه مغلولة لأنه يخشى أن يداوى لاعبيه بأدوية ربما تظهر فيها رائحة منشطات.. تلك هى الأدوية الفعالة، لكن الأدوية الأقل فاعلية والآمنة لا يمكنها الإجهاز على فيروس الأنفلونزا أيا كان بالسرعة التى يحتاجها فريق كرة حضر لأداء بطولة.
طبيب الفريق أسر كل هذا فى نفسه ولم يعلن وظل يحاول 24 ساعة مداواة لاعبيه، لكنه فجأة أخذ القرار الأهم وإن ظل محتظا به، ألا وهو أن يبدأ فى علاج لاعبيه بعقار «التاميفلو» المضاد «لأنفلونزا الخنازير» رغم أنه لم يتأكد 100 % من الفيروس لعدم وجود معامل أو حتى أطباء يعلمون شيئا عن أنفلونزا الخنازير فى بنجيلا، لأن قرار اللجنة المنظمة بحسب تصريحات د. ماجد لـ«اليوم السابع» عدم اعتماد معمل تحاليل لكشف فيروس «الخنازير» لأنهم يرون أن أنجولا قبل البطولة بقرابة الأشهر الثلاثة كانت خالية من المرض!
د. ماجد كان قد اصطحب معه 20 علبة من عقار «التاميفلو» المضاد «لأنفلونزا الخنازير» حصل عليها بعد جولة استمرت 10 أيام وتسلمها قبل السفر بـ7 ساعات بتعليمات من مكتب وزير الصحة د. حاتم الجبلى وبدأ على الفور معالجة لاعبيه بالعقار مباشرة دون الحاجة للتحاليل لعدم وجود معامل لأن عبدالله مسئول الأدوات بالفريق سقط هو الآخر صريع الفيروس وتحسنت صحته عقب تناوله 3 جرعات من «التاميفلو».
الـ20 علبة كانت كافية بالإضافة لأدوية خفض الحرارة والوصفات الشعبية من جنزبيل وليمون وعصائر، خاصة عصير البرتقال، لإنهاء أزمة الأنفلونزا اللعينة التى ظلت ثقيلة الظل حتى المباراة الثانية فى المجموعة أمام موزمبيق، وكان يمكن أن نلعب دون 6 لاعبين أساسيين لولا تحامل النجوم على أنفسهم.
ظاهرة أخرى لم تكن أقل من مفاجأة «التاميفلو» على البعثة بعدما علمنا أن هناك جماهير ستأتى لتشجيع منتخبنا، بل أحسسنا بأن هناك قوى لا ترى بالعين المجردة بل تشعر بأنها حولك أعطت الدفء والطمأنينة للاعبين والجهاز ورئيس البعثة وسمير زاهر، وحسن صقر قبل مغادرته أنجولا كان صاحب ابتسامة الثقة التى أكدت ما نشعر به جميعا، لكننا لا نجزم به ولا نلمسه فقط هو شعور لم يعتده المنتخب فى الفترات الأخيرة.. نعم الأخيرة، لكننا تأكدنا أنه زال إلى الأبد أن تشعر كمصرى بعدم الأمان؟!
حضرت الجماهير.. الحقيقية من الألتراس الأحمر والأبيض والأخضر والأصفر وكل ألوان المشجعين المصريين، الذين يحتاجهم اللاعبون قابلت ريعو وجمال ومحمود والخواجة اللى قال: «إحنا جايين نموت أو نرجع فرحانين لأن فيه ناس كتير فى مصر عايزه تفرح وعشمانين فى الفريق وفينا كمان».
200 من جماهير مصر كانوا بمثابة 20 ألف متفرج هكذا رأيت هتافاتهم ورأيت كيف تحملوا المشقة، لكن تحمل معهم أكثر ثلاثة رجال كانوا بحق نموذجا مشرفا للمصريين.
أيمن حافظ الذى نام يومين فى الشارع ليحصل على تأشيرات للجماهير، وعمرو أبوالعز الذى كان ينظم صعود الجماهير التى أنهت إجراءات للطائرتين، ود. كرم كردى رئيس نادى الأوليمبى السابق الذى عمل مع الشابين حافظ وأبوالعز بروح الشباب وذهب معهما إلى معسكر الجماهير وأماكن سكنهم وعاش الثلاثى فى شوارع بنجيلا حتى موعد مباراة الدور قبل النهائى أمام الجزائر لدرجة أنهم لم يبحثوا عن أماكن ليقيموا فيها من تلك التى يقال عليها «5 نجوم».
جاء موعد المباراة وتم تحضير الجماهير التى فاجأت الجميع بإطلاق شماريخ كانت قد أخفتها فى الطبول، لكن شماريخ المصريين لم يتم إطلاقها، إلا بعد أن بادر جمهور الجزائر بإشعال أكثر من «شمروخ» فى مدرجهم، وكم كانت سعادتنا بعدما شعرنا أننا لا نقل عددا عن جماهير الجزائر التى تعدت الألف بخمسين مشجعا، لكن حماسة الجماهير المصرية وتوحدهم ووجود الرجال الثلاثة كردى وحافظ وأبوالعز بينهم حتى لحظة إطلاق كوفى كودجا حكم اللقاء صافرة البداية جعلتهم يشجعون نيابة عن 80 مليون مصرى ويصدرون صيحات تمثل أكثر من هتاف 20 ألف مشجع على الأقل!
فى المدرجات حاول بعض مشجعى الجزائر إغراء جماهير أنجولية فى وضع أعلام على مدرجات الثالثة أمام المقصورة رغم أن اللجنة المنظمة حددت مدرجات الثالثة خلف المرميين لجماهير مصر والجزائر فما كان من د. كرم كردى وأيمن حافظ وعمرو أبوالعز إلا أن أبلغوا المهندس هانى أبوريدة بما يحدث، فطلب من المنظمين عودة عدالة التقسيم فتم رفع الأعلام الزائدة وبقى زئير المصريين وحده دون مساندة مدفوعة الأجر!
تلك الجماهير الألتراسية لم ترهبها العصى الكهربائية التى كانت توجه لأى خارج عن قوانين المباراة كما حذر الأمن الأنجولى، لكنهم كانوا دائما يرددون ولا يبادرون بالخروج على النص.. وهو ما جعل الأمن والمواطن الأنجولى أكثر تعاطفا معنا.
فى المقصورة تخلى دائما هانى أبوريدة وسمير زاهر عن مكانهما الرسمى وجلسا جنبا إلى جنب مع بعض المصريين الذين سمحت لهم الظروف بالتواجد فى الدرجة الممتازة، قدما نموذجا مصريا آخر ومعهما المهندس حسن صقر الذى كان يشجع جنبا إلى جنب مع حارسه وسكرتيره محمد علام، فالكل فى الملعب مصرى ومشجع بالضرورة.
أما الحاج محمود الشامى، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصرى، فكان يجلس ليقرأ سورة البقرة، خاصة بعدما وصلتنا معلومة عن سحر أسود أعد لإصابة المصريين ولو باهتزاز نفسى.
اقتربت من الشامى فسمعته يقرأ الربع الخامس من سورة البقرة الذى يبدأ بقوله تعالى: «ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده، وأنت ظالمون» صدق الله العظيم فعلها الشامى فكانت ضربة جزاء متعب فى مباراة الجزائر، ثم فعلها مجددا وبعد دقيقتين أحرز جدو هدف الإنجاز فى مرمى كنجستون حارس غانا، إنه عرق المصريين وجهدهم الذى كلله الله بالفوز، قابلا دعوات هذا الشعب العظيم.
مشهد غير عادى لا ينسى ألا وهو طلب سيدة أنجولية مقابلة سمير زاهر رئيس الاتحاد، وعندما تحدث معها المترجم «إسماعيل» الذى يتولى الترجمة للبعثة من البرتغالية إلى الإنجليزية ليعرف ماذا تريد من رئيس الاتحاد قالت له إنها من «بنات الليل» وتتعجب لرفض إدارة الفندق الذى تقيم فيه بعثة مصر دخولهن رغم أنهن لا يأتين إلا عقب أداء الفريق للمباريات! وأنها وزميلاتها يردن إجابة عن أسباب رفض مباشرتهن عملهن، ولو حتى اضطررن للسكن فى الفندق كنزيلات، فرفض إسماعيل وقال لها لن يجيبكن رئيس البعثة المصرية عن أسئلتكن فقالت له: إذن سنشكو «للكاف» ونصعد شكوانا فنحن مواطنات لنا فى هذا البلد حقوق!
لم تكن ليلة الفوز على الجزائر ليلة عادية ليس لأن الفراعنة صعدوا إلى المباراة النهائية، لكن لأن ما قدمه فريقنا كان محل إعجاب القاصى والدانى فى أنجولا وغيرها من ربوع القارة وربما جزء من سكان المعمورة.
حتى مكالمة الرئيس للمعلم شحاتة التى حضرت بالصدفة جزءا منها كانت فى هذا الصدد، فالمكالمة أعقبت انتهاء شحاتة من إجابة الصحافة عن كل التساؤلات لنقلها للمصريين، وهذا كان مقصودا بكل تأكيد كما علمت حتى لا يتعطل دولاب العمل الصحفى المصرى عن نقل الأحداث للشعب العظيم الذى تمثل مكالمة الرئيس كل أطيافه كما ذكر لى المعلم.
شحاتة قال لى وعيناه تلمع بهما الدموع: الرئيس قال لى: «لا أنا ولا كل الشعب هاننام الليلة دى يا حسن من الفرحة إنتم أبطال شرفتم مصر».
ما أجمل الفرحة عندما تنال من الجميع، ما أجمل أن تستعيد حقا ولو كرويا سلب منك.. إنها المحروسة.. وأبطالها هم فقط قادرون على الإنجاز دون رسم أو إحاكة، لن نقول مؤامرات إنما مبررات منها ما هو للفوز ومنها ما هو للهزيمة.. ويكفى أن تعرف أن علم فلسطين الذى اصطحبه مشجعو الأخضر ترك وحيدا خلف السور الحديد لاستاد «آمباكا» فى بنجيلا بعد الهزيمة بالأربعة وكأنه هو السبب؟!
عصام شلتوت
النجمة السابعة سطعت من رحم المعاناة.. وإنجاز القرن الأفريقى فيلم أكشن
الخميس، 11 فبراير 2010 11:23 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة