علينا أن نعيد التفكير فى بعض الأمور التى تعطل الاستثمار فى مصر، ربما يكون من الأفضل أن ننقل السد العالى ونقيم مكانه بوتيكات استثمارية، ويكون أحسن أن ننقل بحيرة ناصر بما فيها من مياه، ونستغل أرضها فى إقامة ملاعب جولف، وقد يصبح من الأليق أن نتوقف عن التفكير فى المحطات النووية ونوسع الطريق لمزيد من المشروعات السياحية.
هذه هى خلاصة الحكمة الاستثمارية النادرة لبعض رجال الأعمال الذين يبدون امتعاضا وغضبا من إقامة محطة للطاقة النووية فى الضبعة. مع أن الدراسات والملايين أنفقت للتأكيد على أن المكان هو الأنسب والأفضل، لكن بعض محترفى الاستثمار التسقيعى، يذرفون الدمع الهتون على الفرص الاستثمارية الضخمة التى يمكن أن تضيع عليهم، وقد تفرجنا على بعض هؤلاء المسقعين وهم يقدرون قيمة الأرض فى الضبعة بثلاثين مليار جنيه، يرون أنها خسارة فى المحطة النووية، حلال عليهم وعلى شاليهاتهم، وماذا يكسب الإنسان لو كسب محطة نووية وخسر شاليها، أو فندقا.
ولأن العلم لا يكيل بالتسقيع، لايمكن الاندهاش من عقليات «سمسارية» أصابها التسقيع لدرجة أن أصحابها لا يفرقون بين النووى والبوتيك. وقد تفرجنا على تصريحات لأحد رجال الأعمال وهو يهاجم كل من يرى أن الضبعة هى الأصلح لإقامة المشروع النووى. و«ينكشح مستهرقا» ويتصور على نفسه أن الثلاثين مليارا تقيم ثلاث محطات للطاقة، الواحدة بعشر مليارات فقط، ولا يحسب القيم الحقيقية التى يمكن أن توفرها المحطة. ويطلب بدلا منها إقامة مجموعات من الشاليهات أو الفيلات والفنادق، دون أن يفكر فى كيفية توفير طاقة لكل هذه الاستثمارات المزمعة فى عقله.
ومن الواضح أن السيد الاستثمارى وأمثاله لا يعرفون أن مصر ليست بلدا بتروليا وأن أى استثمارات صناعية أو سياحية يلزمها توفير الطاقة، التى تنتج من البترول أو السد العالى وكلاهما لم يعد كافيا، وأن الطاقة النووية هى البديل فى بلد ليس بتروليا، وحتى الدول النفطية مثل الإمارات والسعودية وإيران تسعى لإقامة محطات نووية، كما أن دولا رأسمالية مثل بريطانيا وفرنسا وأمريكا لديها مفاعلات نووية، ولم نسمع رأسماليا أمريكيا يعترض ويقول إن الأرض تصلح لإقامة بوتيكات، أو مشروعات سياحية. وهذه العقلية، لا ترى غير التسقيع، ولا تعرف غير الهمهمة، فيما يشبه حصان طروادة الذى كان يحمل فى بطنه جنود الأعداء.
ويبدو أن «حمار» طروادة من العائشين على أراضى الدولة والمسمسرين بالتخصيص، وبالتالى لا تفرق معه محطة نووية من محطة أتوبيسات. ولهذا لا يعلم المسقع الاستثمارى أن محطات الطاقة النووية أصبحت أكثر أمانا من زمان، وأنها ضرورة لتوسع الاستتثمارات، وأن كل الدول المتقدمة والكبرى تحرص على توفير الطاقة قبل الاستثمارات، لأنه بدون طاقة تصبح الاستثمارات بلا قيمة.
وربما يكشف لنا أحد عباقرة البيزنس أن مكان السد العالى يصلح لإقامة بوتيكات، أو أن بحيرة ناصر تشغل مساحة من الأرض تنفع لإقامة مجموعة عظيمة من ملاعب الجولف أو مشاتٍى.
كل هذا حسب عقلية نائب طروادة وأمثاله من رجال الأعمال السفلية، ونحمد الله أن لدينا بعض رجال الأعمال ما يزالون يعرفون الفرق بين الاستثمار والتسقيع، ويعتقدون أن هناك أشياء أهم من الشاليهات، وليس كما يرى حمار طروادة فى برسيمه.