الفاجومى: أول مرة قبضوا علىّ فى عصر الرئيس المؤمن .. كان جنبى أمل دنقل بيشطب قصيدته « الكعكة الحجرية»

الجمعة، 05 فبراير 2010 12:15 ص
الفاجومى: أول مرة قبضوا علىّ فى عصر الرئيس المؤمن .. كان جنبى أمل دنقل بيشطب قصيدته « الكعكة الحجرية» أحمد فؤاد نجم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد عودتنا من مغامرة كمشيش خفت الرجل علينا وبدأت أعداد المريدين تتناقص حتى اضمحلت تماما وقعدنا أنا والشيخ إمام ومحمد على بوزنا فى بوز بعض. قلت فى عقل بالى مش حيخرجنا من الكارثة دى غير الشغل، بصيت حواليا لقيت فزورة مصرية يحتار فى حلها الجن الأزرق ذات نفسه، بلد مهزومة ومطعونة ولسه دمها بيشر والقائد فى كل خطاباته بيقول لنا إن أمريكا هى العدو وهى الفاعل الأصلى وأن إسرائيل دى ما هى إلا إيد أمريكا الملطخة بدم الشعوب الفقيرة، وفى نفس الوقت نقرأ فى الأهرام العريقة عن قدرات أمريكا الخارقة وهيكل رئيس تحرير الأهرام ماسك لنا على عبارة «مانقدرش نناطح أمريكا».. واللى زاد وغطى إصدارات أخبار اليوم اللى اتربى فيها هيكل بتتحدث عن نتيجة انتخابات أمريكا التى أطاحت بجونسون وجاءت ب«نيكسون»، وعن هذا النيكسون فردت أخبار اليوم صفحات مجلاتها وجرايدها للحديث عن الفتى نيكسون وازاى هو من أشيك رجال العالم ومقاس ياقته كام ومقاس رجله كام وايه الأكلات اللى بيحبها والأكلات اللى مابيحبهاش «ياولاد الكلب يازبالة» والشعب المصرى شايل على كتافه حملين حمل الشهداء والمعوقين اللى كانوا فى كل بيت، وحمل التار اللى لازم يتاخد إذا كنا صحيح مصريين وكان لابد من التعليق على تلك المهاترات المقززة فكتبت

أبتسجحّن.. ألفٌ باء
جونسون روح
نيكسون جاء
قولوا هأوأو
على صحافتنا
الغير غراء
ولحنها الشيخ إمام وقعدنا نغنى فيها واحنا سعداء بهذا المولود اللى خدنا من جو البلد الخانق لدرجة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وقلت للشيخ إمام كده يبقى دمنا اتفرق بين القبايل ومش حنعرف ناخد تارنا من مين قال لى:
- منهم كلهم إذا كنا رجالة
ضحكت وقلت له:
بس ماتقولش رجالة
تنهد الشيخ إمام وقال:
اشتدى يا أزمة تنفرجى
ما اعرفش ايه خلانى مسكت القلم وكتبت:
دور ياكلام على كيفك دور
خلى بلدنا تعوم فى النور
ارمى الكلمة فى بطن الضلمة
تحبل سلمىوتولد نور
يكشف عيبناويلهلبنا
لسعة فى لسعة نهب نثور
دور يا كلام على كيفك دور.
ولحنها الشيخ إمام وكما هى العادة فضلنا نغنى فيها يومين وبدأت أشعر بآلام رهيبة فى معدتى مع رفض تام للأكل والشرب، وكل ما أشرب بق ميه أرجعه لحد ما وقعت فى الحمام وشالونى ونيمونى على سريرى الجميل اللى عملته على إيدى من باب «الحاجة أم الاختراع»، أربع قوالب طوب أحمر اتنين فى ناحية واتنين فى الناحية التانية، ورحت فارد عليه قفص عيش جريد وفوق القفص فردت كمية من ورق الجرايد وفوق ورق الجرايد فرشت بطانية خيش واللى عايز يتخمد يتفضل، وأنا لسه فاكر أول مرة قبضوا علىّ فى عصر الرئيس المؤمن، كنا قعدين أنا والشيخ إمام وأمل دنقل اللى كان قاعد يشطب فى قصيدته الجميلة «الكعكة الحجرية».. وحين هجم التتار كنت حريصا على عدم ازعاج أمل دنقل اللى كنت باحبه وفوجئنا برئيس التجريدة يقول: مساء الخير الرائد أحمد عبدالله كشك من مباحث أمن الدولة، قلت له:
أهلا بالتليفزيون
ضحك بحق وحقيقى قلت له:
عارف من اللى قاعد قدامك ده! دا الشاعر العظيم أمل دنقل.
وفوجئت بالضابط يسلم على أمل باحترام ومودة ثم سألنى:
أمال فين الشيخ إمام
قلت له:
ماتلاقيش دلوقتى.
ضحك تانى وقال لى:
أمال فين أوضة نومك
شاورت له على السرير وقلت له:
هو دا أوضة نومى.
فعاد يسألنى بدهشة:
انت بتنام هنا
قلت له:
آه تعرف تعملهاأنت؟
فضحك تالت:
هو دا السرير الاختراع اللى كنت نايم عليه عندما اقتحم المطرح ثلاثة أفندية ويرجح من هيأتهم أنهم ظباط أمن دولة واللى أكد كده ان واحد منهم قال لى:
إلبس هدومك وياللا
قلت له:
أنا مش ح اسألك ياللا على فين انما أنا ح اسألك هدوم ايه اللى ألبسها
ضحك وقال لى:
أنا الدكتور رزق عبدالمسيح وجاى اخطفك من نفسك
لأنك كده تنتحر، وبيتهيأ لى لسه بدرى على الحكاية دى
قلت له:
ياابن الكلب يعنى أنت موافق على الانتحار بس عندك اعتراض على التوقيت
وضحكنا وهو بيقول لى:
كده بالظبط امال ايه الاشاعات اللى طالعة عليك دى
وهنرجع للموضوع ده بعدين.

فى عنبر طويل فى مبنى مستشفى مبرة محمدعلى بمصر القديمة جت نومتى جنب سيد قشطة، وهو اسطى مبلط من امبابة وداالإنسان الوحيداللى قابلته أنحف منى، عبارة عن جلد على عضم أو على رأى الجميلة شادية «عصاية مدهونة لحمة»، لكن كان دمه زى العسل أول ما اتعرفنا وخدنا وادينا مع بعض فى الكلام سألته:
أمال من غير شر إنت هنا بتتعالج من إيه؟
قال لى على الفور:
بيضانى
ضحكت وقلت له:
اشمعنى
قال لى:
اتفقَعت
قلت له:
ومين عدم المؤاخذة اللى فقعهم
قال لى:
النسوان.. هو عدم المؤاخذة فيه غيرهم
قلت له:
الصراحة فيه.. بس يعنى
قال لى:
بس يعنى ايه؟
قلت له:
ياعم خلينا هنا ماتوديناش فى داهية. وبعدين تعالى هنا مين اللى سماك سيد قشطة وأنت شكل البورص؟
ضحك بشدة وقال:
النسوان.. برضه هو عدم المؤاخذة فيه غيرهم.

عرفت من رزق عبدالمسيح الماركسى أنه سبق اعتقاله فى حملة سنة 1959 التى طالت كل التنظيمات الشيوعية فى كل من مصر وسوريا بسبب موقف الشيوعيين العرب من عملية الوحدة مع سوريا وسألت الدكتور رزق:
انت عارف إيه اللى بيحصل فى الزيارات
قال لى:
وموافق عليه
قلت له:
التمرجية والفراشين والممرضين بيهجموا على الزوار ويبتزوهم عينى عينك وتقول لى موافق؟
ضحك وقال لى:
دى صفقة أبرمتها مع الفراشين والتمرجية على شرط انهم مايمسوش غذاء وعلاج المرضى
قلت له:
داأنت ابن حرام مصفى!
ضحك وقال لى:
قبطى بقى
قلت له:
ولا القسيس ممكن يفكر بالشكل ده.
وبعد الفحوص والذى منه عرفت انى عندى عدد اتنين قرحة، واحدة فى المعدة وواحدة فى الإثنى عشر، واستلمونى بفضلة خيرك باللبن صبح وضهر ومساء اللبن والبيض النى..
قلت لرزق
انتو كده رجعتونى لمرحلة الطفولة.

وكان نهارى فى المستشفى مع الأطباء والشباب فى المستشفى وداكان معوضنى ومونسنى لأن الشيخ إمام ومحمد على ماحدش فيهم زارنى ودول هما أهلى ومافيش غيرهم.. والأصدقاء من المريدين اعتبروا اللى عملناه فى كمشيش كان فعل انتحارى وعواقبه ستكون وخيمة فخدوها من قصيرها وخلعوا، وحسنا فعلوا.

وذات صبحية جاتنى زيارة من إنسان عمرى ماشفته، لكن لما قعدنا سوا حسيت انى اعرفه من سنين، شاب مصرى جدع وفقير اسمه جلال خدنى بالحضن وقعدجنبى ع السرير، ومراته كريمة «أم أيمن» بتفتح الكيس اللى جابوه وتطلع لى خلطة مكرونة فرن كلتها بمنتهى الشهية، وقبل ما يقوموا يمشوا قال لى:
بكره أبعتلك نعمة وهانم
وتعانقنا وانصرفوا.

وفى صبحية اليوم التالى حضرت نعمة وهانم، وتالت يوم حضرت سونة وآمنة -أم كريمة- ناس بسطا طيبين عوضونى عن وحدتى الإنسانية وملوا حياتى ونس ومحبة، وبدأت اندمج فيهم وأحس فى وسطهم بالأمان وبدأت أرسى على سرهم واعرف حكايتهم.. جلال ابن موظف كبير فى الدولة غارق فى الرفاهية ورغد العيش، يقتنى فى قصره العامر ضمن ما يقتنى أم كريمة مربية الأطفال التى تزوجت أثناء فترة خدمتها وأنجبت أربع بنات كريمة ونعمة وهانم وسونة، وزى الأفلام بتاعت أنور وجدى وحسين صدقى وعمادحمدى وما شابه ذلك ابن الباشا وقع فى غرام بنت الشغالة وغلطوا سوا.. وفى الأفلام دايما بيطلع ابن الباشا نطع ويخلع لكن جلال وكريمة اختاروا بعض وترك جلال قصر بابا الباشا وخد كريمة وامها واخواتها وانتقل إلى شقة محندقة فى منزل محندق فى شارع على عبدالعال فى المنيرة تبع امبابة.

خرجت من مستشفى المبره مش على حوش قدم اللى انا جاى منها، لأ وحياتك خرجت على شارع على عبدالعال فى المنيرة تبع امبابة عشان أستخبى فى الحضن اللى انفتح لى، أستخبى من خيبة أملى فى بعض الناس، واستخبى منى أنا البنى آدم البراوى اللى ماشى جهجهون، لا له مربط ولا لجام، الناس بتاكل لما بتجوع وأنا بآكل لما افتكر، مش باكى ع الدنيا الله جاب الله خد الله عليه العوض، ساعة النوم باندلق زى الشوال مطرح ما أنا، وأصحى الصبح اعشق الحياة وآخدها فى حضنى، تدفينى فى البرد وتمروحنى فى عز الصيف.. عرفت ان شقة جلال مفتوحة ومحببة لمجموعة من المثقفين الصعايدة، بالذات أمل دنقل وعبدالرحيم منصور ويحيى الطاهر عبدالله ومجدى نجيب، وانهم جميعا تربطهم علاقات حميمة مع هذه الأسرة المصرية الرائعة التى أصبحت أنا واحدا من أفرادها بمنتهى الرضا والامتنان، وحين عرفت الشيخ إمام على أسرة جلال عشقهم واعتبرنى صاحب فضل عليه، وذات ليلة فوجئت وأنا نائم وبجوارى الشاعر المرحوم عبدالرحيم منصور بأفتح عينى لقيت لك من حواليا مجموعة من الوجوه الملحة بيبصوا على مبتسمين مش عارف ليه قمت فازز وقلت لهم:
ايه؟ فى ايه وانتو انس ولا بسم الله الرحمن الرحيم.. قاللى واحد منهم: احنا طبعا بسم الله الرحمن الرحيم وانت بقى فالقنا ومشحططنا وراك بلاد الله خلق الله.. بصيت جنبى لقيت عبدالرحيم منصور داخل فى بعضه زى اللى بيقول ياأرض انشقى وابلعينى.. سألنى الظابط:
فين هدومك؟
قلت له:
سلامة الشوف ما أنا لابس ياباشا وجاهز ياباشا
قال لى:
مين اللى نايم جنبك ده
قلت له:
دا محمد
قال لى:
محمد مين؟
قلت له:
محمد كفتة الكبابجى.
سيبناه ونزلنا لقيت عربية ملاكى واقفة أمام الباب وبابها مفتوح فى انتظار تشريفى وأثناء ما بأركب لمحت البوكس من ضهره وفوجئت بمحمد على قاعد ورا.. قلت للضباط:
ما تجيب محمد على معانا فيه عندنا وسع
سكت شوية وقال لى:
لا، محمد على لا، محمد على حيروح حوش قدم
قلت له:
طب احنا رايحين فين دلوقتى
قال لى:
رايحين الإدارة ان شاء الله
قلتله:
ان شاء الله إدارة ايه؟
قال لى:
ان شاء الله إدارة مكافحة المخدرات.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة