أؤكد فى البداية أننى لا أمتلك ولا حاولت امتلاك منزل فى الرحاب ولا فى مدينتى، كما أننى لم أقابل يوماً هشام طلعت مصطفى ولا بينى وبين أى من أفراد عائلته أو أصدقائه أى معرفة. لا أدافع عن رجل الأعمال المتهم بالتحريض والمساعدة فى مقتل المغنية سوزان تميم، ولا أدافع عن القضاء المصرى، بل أدافع عن منطقنا فى التفسير وتوازننا فى الحكم على الأمور.
مِن الملاحظ أن ثقتنا فى القضاء أصبحت ثقة مشروطة؛ بمعنى أن القاضى إذا أصدر الحكم الذى يتماشى مع هوانا يكون رمزاً للقضاء المصرى الحر النزيه الذى لا يرضخ لأى ضغوط، أما إذا جاء الحكم مناقضاً لما نراه فهذا لأن القضية كانت قطعاً وبدون شك عُرضة للطبخ والطرمخة. مَن كان يتخوف من أن يحصل هشام على البراءة أو على حكم مخفف بناء على نظرية الطبخ وأن المتهم هو رجل الدولة ولن تتركه لحبل المشنقة، رأى فى المستشار قنصوة رمز العدل الصارم. الآن بعد قبول الطعن عاد مَن كان يشيد بنزاهة القضاء إلى نظرية الطرمخة حتى أن القاضى الذى سينظر فى إعادة المحاكمة لن يكون بمثل نزاهة قنصوة إلا إذا أطلق نفس الحكم (الإعدام). نفس الحالة تنطبق على أصحاب الرأى المناقض الذين يرون أن هشام غُرر به لصالح منافسيه من كبار رجال الأعمال، وبالتالى فإن حكم القضاء ظالم نظراً لنفوذ هؤلاء المنافسين. أولاً: إن الرأى العام، حتى إن لم يتأثر القضاة به، فقد أصبح يبدو فى حد ذاته بمثابة إرهاب لهم. ثانياً: إن مَن يدعى معرفة الحقيقة القاطعة يلقى بنفسه فى مأزق «الفَتىِ» فرأى الشخص العادى مهما كان مبنياً على معلومات وفكر سليم تنقصه الرؤية القانونية المتخصصة. قد يكون من المقبول أن تسأل امرأة صديقتها فى جلسة نميمة: «هو قتلها بجد؟» فترد الصديقة بكل ثقة ومقدرة على إقناع باقى الصديقات فى المجلس «ططبببعاً» بتفخيم كل الحروف وتبدأ بين الحاضرين مباراة المعرفة بقصص الكواليس نقلاً عن فلان وعلان من أصدقاء سوزان تميم أو أقارب زوجة هشام. ولكن هذا الأسلوب فى إصدار الأحكام المؤكدة لا يمت بصلة لما يحدث داخل قاعة المحكمة.
وهنا أنوه إلى شىء هام هو أن المتهم قد يكون قام فعلاً بجريمته ولكنه يتمكن من الحصول على البراءة استناداً إلى أخطاء إجرائية قد تبدو لنا تافهة ولكنها لرجال القانون والقضاء لا يمكن تجاهلها. ثالثاً والأهم أن هذا المشهد يعكس تطرفاً فى حكم الكثير منا على الأشخاص، هشام إما ملاك لايمكن أن يأتى بفاحشة أو إبليس بعينه لايستحق إلا الرجم. إن كان هشام قد اقترف الجريمة فالوضع المثالى أن ينال عقابه، أما إذا لم يصدر عليه الحكم فعلينا أن نتفهم أن هذا ما يمليه القانون فى حالته بكل تعقيداتها وأن ذلك لا يُنقص من نزاهة القضاء شيئاً، ومما لاشك فيه أن لله فى إدانته أو براءته حكمة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة