كان الحوار التليفزيونى عن مستوى الخدمة الصحية فى بلدنا الذى يدفع بكل قادر إلى العلاج بالخارج، وكل غير قادر إلى تمنيه. كان من نصيب هذه الحلقة أكبر «تدافع» مكالمات من قبل المشاهدين، وكان قلب الحديث لمعظمهم عن روايات الإهمال فى علاج أبنائهم. فى وسط الحديث عن احتياج المواطن المريض لطبيب وممرضة يشعرانه ببعض العناية والرحمة، دوّى بعنف دام صوت مصرى شاب، أعتقد أنه سيبقى دائماً فى ذاكرتى، كان مؤلماً من شدة تألمه، قال إنه هو نفسه طبيب يُعالًج مع أبنائه فى مستشفى عام، ويبدو أن أحد أبنائه كان يتلقى فعلاً العلاج، فاجأنا جميعاً بصراخ مُحتج مرتعش: «أنا طبيب وكرهت المرضى وكرهت الأطباء وكرهت العلاج! أنا كرهت كل حاجة.. مش عايز أشوف مرضى»، رعشة صوته الغاضبة الخائفة نزلت علينا كالسيف.
تساءلت فى أقل من ثانية.. هل أُُسكت الرجل بأدب؟ فإن تعبيراته القوية الممتزجة بنبرة معبرة بكل طبيعية تخترق بسهولة قلوب المشاهدين وتشيع إحباطاً هائلاً، كما أنها تقترب من الخط الممنوع.. التحريض. ولكن إن فعلت ذلك سأكون قد منعت مواطنا مصريا هو لُب القضية من التعبير عن حالته وحالة قطاع بأكمله فأقترب أنا من خط إخفاء جزء من الحقيقة، وهو بالنسبة لى أيضاً ممنوع. حاولت أنا وزميلى القدير العزيز جداً خالد صلاح أن نضفى أكبر قدر من التوازن خلال الحديث القصير، ثم دعا خالد الطبيب المريض المتألم إلى تأمل ما يقول ودعوت أنا الحكومة إلى تأمل ما تفعل. بقليل من التأمل نرى أولاً أن ما يجعلنا نصرخ ونكره ونثور بدون أمل ونخرج عن شعورنا ليس تطلعنا إلى الديمقراطية وضمان صناديق اقتراع نزيهة (وإن كان ذلك هو أصل كل مشكلاتنا من رغيف العيش إلى الصناعات الثقيلة) ولكن السبب المباشر والأول وراء انفجار كل مواطن يكون فى الأغلب وبكل بساطة أولاده! قد تحتمل بصبر مرمطة المستشفيات وتحمد الله أن منحك الحياة إذا كنت أنت المريض. أما إن كنت تسعى وراء علاج أحد أبنائك (حماهم الله جميعاً) فإن خوفك من دقيقة انتظار على صحته سيجعلك تسب الإهمال وأصحابه وقد تفقد أعصابك وتضرب مَن تظن مجرد ظن أنه تسبب فى ضرر بصحة ابنك. قد تحتمل بصبر طوابير العيش والبوتاجاز أو الركض وراء المواصلات كل صباح ولكنك لن تحتمل رؤية علامات ضرب على جسد ابنك أو فكرة أنه سيكون إنسانا فاشلا. الحل لنا وللحكومة عند أولانا؛ ما نريده لهم يتلخص فى: 1 - علاج جيد. 2 - معلم لا يصب إحباطاته اليومية على أجسادهم. 3 - تعليم يخرج قادرين على العمل دون حديث غير مفهوم عن هيئة ووثيقة ومعايير قومية لضمان الاعتماد والجودة. إذا ضمنت الحكومة هذه النقاط الثلاث لأبنائنا، وهم يمثلون 40 % تقريباً من عدد السكان، أى لأقل من نصف السكان، سترضينا جزئياً ولن يحتاج حزبها لمن يهاجم البرادعى أو يتورط فى تزوير انتخابات.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة