رفضت اللجنة التشريعية بمجلس الشعب منذ أيام قليلة اقتراحًا بقانون لتعديل المادتين 126 و128 من قانون العقوبات، بما يستهدف تشديد العقوبة فى جرائم التعذيب وتفتيش المنازل بدون وجه حق.
ويدعم هذا الرفض الدور المنوط بمجلس الشعب فى المعادلة الدستورية التى تكرس حالة الخلل فى التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، لصالح الأولى، رغم التعديل الدستورى فى مارس 2007، وما يقال عنه من أنه منح سلطات كبيرة للمجلس والحكومة فى مواجهة سلطات الرئيس الطاغية فى الدستور، وهو ادعاء صادق شكلاً، وباطل موضوعًا بسبب هيمنة الرئيس على تعيين وعزل كوادر الحزب والحكومة وقيادة البرلمان.
هنا يتأكد دومًا العودة للمربع الأول، وهو أن مجلس الشعب ليس له دور على الإطلاق فى تغيير الوضع القائم، أى أن دوره فى عملية التداول السلمى للسلطة محدود بشكل كبير، بل على العكس يلعب المجلس على طول الخط دورًا واضحًا فى تكريس السلطة وتثبيت أركان الحكم منذ أن عادت الحياة البرلمانية عقب ثورة يوليو اعتبارًا من العام 1957, بعد أن أقدمت الثورة على خلق الكيان التشريعى الجديد الداعم لوجودها والمسمى بمجلس الأمة، ثم مجلس الشعب اعتبارًا من العام 1971.
على أن هذا الوضع إن كان من الممكن تبريره بحال الحقبة الثورية التى تلت يوليو 1952، فإنه لم يعد مقبولاً فى الوقت الراهن، خاصة أن نظام الحكم القائم يرفع شعار التعددية السياسية، لأن ما يجوز فعله فيما سبق لا يجوز فى الوقت الراهن. لكن الناظر إلى هيكل النظام السياسى الراهن، لا يمكن أن يستغرب كثيراً استمرار بقاء الأوضاع على حالها، فالتعددية السياسية أفرخت نظامًا حزبياً تشهد السلطة قبل المعارضة بهشاشته، كما تقر الغالبية بضعف مؤسسات المجتمع المدنى، ووجود مثالب كثيرة تحيط بالعملية الانتخابية من ألفها إلى يائها.. إلخ.
كل هذه الأمور تفضى إلى وضع شائه، وتجعل هناك صورة مشرفة إلى أبعد الحدود، ومضمون فارغ يزداد فراغًا، ليس فقط بسبب تكلس حال مبدأ التداول السلمى للسلطة، بل الأهم هو وجود فجوة تزداد اتساعاً يوما بعد يوم مقارنة ليس بحال البلدان المتقدمة، بل أيضا بحال العديد من البلدان النامية التى سبقت مصر فى الإصلاح السياسى، وكانت حتى وقت قريب نظما تسلطية.
ولعل الشواهد كثيرة على قيام مجلس الشعب بحجب دوره بنفسه، خاصة فيما يتعلق بتقويض حقوق الإنسان، خذ على سبيل المثال دور المجلس فى تعديل الدستور عام 2007، الذى كرس إمكان تجميد مواد الدستور المتعلقة بحقوق الإنسان وفقا للمادة 179، خذ أيضا تجديد المجلس -بسبب أغلبيته الآلية- العمل بقانون الطوارئ، منذ أن شرع العمل بتلك الحالة لوقت قصير عقب اغتيال الرئيس السادات عام 1981، وأيضًا تعديل المجلس لقانون الأحزاب نحو ست مرات على الأقل بما يقوض دوما من فرص النظام الحزبى فى الارتقاء، وتشريعه قانونا يشل حركة النقابات المهنية، أسماه قانون ديمقراطية النقابات المهنية، وإقراره بتعيين عمداء الكليات وتعيين العمد والمشايخ رغم انتخابهم فى العهد الناصرى الموصوف بالشمولية.
وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل يتعداه فى علاقة المجلس بكبت المجلس حقوق أعضائه، وهنا يشار على سبيل المثال إلى رفض إدارة المجلس تشغيل آلة التصويت الإلكترونى، بحجج فنية، وكأن تلك الآلة لم يخطط لعملها عند تركيبها منذ نحو عقدين، وهو أمر يرتبط فى اعتقاد الكثيرين بالرغبة فى علانية التصويت ومعرفة من مع ومن ضد، أملاً فى ثواب وعقاب الأعضاء بوسائل شتى.
إن محاولة جادة لإصلاح حال السلطة التشريعية تبدأ دون شك بإصلاح النظام الانتخابى، فمن هذه البداية يمكن الوصول لممثلين حقيقيين للشعب، عبر القائمة النسبية غير المشروطة. ثم يأتى بعد ذلك تعديل لائحة المجلس العتيقة، بما يجعل هناك إمكانية لتمرير وليس إعاقة الدورين التشريعى والرقابى للمجلس عوضًا عما نشاهده الآن من سن تشريعات تقوض حقوق المواطن المصرى على جميع الأصعدة، ورفض غالبية اقتراحات الأعضاء بقوانين لها مردود إيجابى لدعم حقوق الإنسان، وإنهاء الاستجوابات الجادة بمقولة الانتقال لجدول الأعمال.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة