هل كنا فى حاجة إلى قرار عمومية مجلس الدولة لكى نكتشف أننا نعيش فى مجتمع ذكورى يرفض المساواة ولا يؤمن بقدرة المرأة؟

«الموءودة».. فى السياسة والاقتصاد والجامعات والصحافة وليس مجلس الدولة فقط

الجمعة، 26 مارس 2010 02:13 ص
«الموءودة».. فى السياسة والاقتصاد والجامعات والصحافة وليس مجلس الدولة فقط  أحمد نظيف
محمد الدسوقى رشدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄لماذا لا تتولى المرأة منصب وزير الداخلية أو رئيس تحرير الأهرام أو رئيس مجلس الشعب أو تصبح محافظا؟

أجمل مافى المجتمع المصرى أنه يكذب بلطف، ويخدع بوداعة، ويرسم بمهارة لواقعه صورا معكوسة، ولكنه للأسف حينما يحفر ليلقى فى باطن الأرض ما يريد إخفاءه لا يحفر بحرص ولا يردم على ما يلقيه بدقة، ولذلك تظهر أسراره بسرعة وتتكشف عيوبه وأخطاؤه بالصدفة وتنفجر فضائحه مع الأحداث الكبرى، فيصبح كالكتاب المفتوح يقرؤه من يريد لهذا الوطن الإصلاح، بينما يتعمد كل من يسترزق من الوضع الحالى أن يحول وجهه عن الحقيقة مفضلا الغرق فى بحر التصريحات الوهمية والمعلومات المغلوطة.

لو كنت من هؤلاء الذين يتابعون الأحداث اليومية فى مصر بدقة ويعشقون التركيز مع التفاصيل، ولست واحدا من أولئك الذين يقرأون العناوين ويكتفون بالإشارات فقط، فستدرك تماما خلاصة السطور السابقة.. ستدرك تماما أن قطاعا كبيرا من المجتمع المصرى بشرائحه المختلفة وتحديدا من أهل النخبة فيه يكذبون الكذبة ويصدقونها قبل أن يفعل غيرهم ذلك. راجع معى تفاصيل معركة رفض الجمعية العمومية لمجلس الدولة تعيين المرأة قاضية وستتأكد من ذلك، وستعرف عن قرب كيف يستمتع أهل النخبة والعلم والسياسة فى مصر بالسقوط فى فخ إلقاء الكذبة والإيمان بها بسرعة البرق؟ وستتعرف أكثر وأكثر كيف يصرح هؤلاء ويصرخون ويهتفون ضد أخطاء هم غرقى فى نتائجها ومحترفون فى ارتكابها؟ وستكتشف بنفسك كيف يتحدث هؤلاء الذين يقودون المجتمع فى مصر عن أشياء غير موجودة ويصدرون للناس تفاصيل معارك وهمية يخوضونها دفاعا عنهم.

انتفضت مصر كلها بنخبتها ومثقفيها ضد قرار عمومية مجلس الدولة الذى رفض تعيين المرأة قاضية وكتب الكاتبون وصرخ المثقفون عن مصر التى ترجع إلى الخلف، والمساواة التى ضاعت، والمرأة التى تم اضطهادها، وكأنهم كانوا فى انتظار قرار مجلس الدولة ليكتشفوا أننا نعيش فى مجتمع ذكورى مازال شيوخه يتكلمون عن صوت المرأة الذى يمثل عورة ووجهها الذى يمثل فتنة لا يمحوها سوى النقاب والمكوث خلف جدران البيوت، مجتمع مازال أغلب رجاله مقتنعين أن المرأة للكنس والمطبخ، والكنس والمطبخ للمرأة، مجتمع مازال يفرح حينما يخبره الأطباء أن المولود ذكر ويكتئب ويسعى لتكرار الإنجاب والزواج حينما يعرف أن المولود أنثى.

لا أعرف على وجه الدقة لماذا استفز قرار عمومية مجلس الدولة برفض تعيين المرأة قاضية الجميع، وهو قرار ابن بيئته ووليد ظروف مجتمعه. صحيح، القرار مستفز وعنصرى ويستحق انتفاضة قوية لمواجهته، ولكنه ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير، نحن نعيش فى مجتمع أدمن ذكوريته حتى لو سعى لتجميل وجهه بالكثير من الاستثناءات والعديد من التصريحات وبعض القرارات المناصرة للمرأة، وتعال نتابع معا كيف تتعامل التيارات والفئات المختلفة التى كان لها رد فعل رافض لقرار عمومية مجلس الدولة مع المرأة لتكتشف بنفسك حجم القبح الذى فشلت عمليات تمكين المرأة وخطط تحريرها المكتوبة على الورق فى إخفائه أو تجميله، تعال نبدأ من عند الصحافة التى قادت حملة قوية ضد عمومية مجلس الدولة ووصف قراره الرافض لتعيين المرأة قاضية بالتخلف، انظر إلى تلك الصحف وركز كثيرا مع هيكلها التحريرى والإدارى لترى إلى أى حد وضع المرأة بها متردٍ، دعك من وجود قيادة نسائية أو اثنتين أو ثلاث يتم تعيينهن على استحياء كرؤساء لأقسام غالبا ما تكون خاصة بالمرأة والطبيخ والديكور، ودعك من فكرة أن المؤسسات الصحفية القومية تخصص إصدارا أو اثنين من الإصدارات الجانبية لتقودهما امرأة، دعك من كل هذا لأنه يدخل تحت بند الاستثناء أو بند تدخل السيدة الأولى سوزان مبارك، أو بند العادة التى جرت بتعيين امرأة أو اثنتين بجانب مسيحى أو ثلاثة على هامش المواقع القيادية فى المؤسسات الصحفية حتى تكون صورة مصر حلوة أمام الأجانب.. دعك من كل هذا وانظر إلى المواقع القيادية لتكتشف أن الصحف القومية التى هاجمت عمومية مجلس الدولة بقوة وقسوة ولهفة لم يرأس تحريرها امرأة رغم أن الصحافة المصرية من عقود حظيت بتجربة مشرفة للأستاذة أمينة السعيد والأستاذة سهير القلماوى، ورغم أن كاتبة صحفية مثل الأستاذة سناء البيسى التى قادت مجلة نصف الدنيا إلى حيث النجاح والشهرة ومواقع التأثير تستحق أن تكون على رأس مؤسسة الأهرام ورئيسة لتحرير إصدارها اليومى أو رئيسة لتحرير الأخبار والجمهورية وروزاليوسف فهى تملك قلم كاتبة أشهر بكثير من رؤساء تحرير تلك الصحف لدى القراء، ولها تجربة إدارة فى «نصف الدنيا» أنتجت من خلالها صحافة متميزة وصحافيين مبدعين أفضل مما يفعله رؤساء تحرير صحف الحكومة الآن، وماينطبق على الصحافة القومية ينطبق أيضا على الصحف الخاصة التى لم يفكر مؤسسوها فى أن يضعوا امرأة على كرسى رئاسة التحرير ولم يفكر رؤساء تحريرها فى منح امرأة أو أكثر مواقع قيادية فعالة داخل تلك الصحف.

هل يمكن أن تسأل الآن الأستاذ أسامة سرايا ومحمد على إبراهيم وممتاز القط ومحمد بركات لماذا لم تنتقدوا مؤسساتكم التى لم تمنح المرأة حق وجودها على رأس المؤسسات الصحفية الكبرى مثلما انتقدتم مجلس الدولة لأنه لم يمنحها حق الجلوس على كرسى القاضى؟ هل يمكن أن نسألهم لماذا يسيطر الرجال على أغلب أعمدة الرأى والمواقع التحريرية الهامة والفعالة؟ أعتقد أن السؤال لن يكون له فائدة لأنهم سيسارعون بتقديم كشف طويل وعريض بأسماء لنساء لهن مسمى وظيفى قيادى ولكنهن فى الحقيقة لا يملكن حق الإدارة والمشاركة فى القرار.

دع الصحافة على جنب، وتعال إلى السلطة التشريعية فى مصر لتكتشف المصيبة الأكبر التى لايمكن التغطية عليها بمسألة الكوتة النسائية فى البرلمان، لأن عملية الكوتة هذه تشبه حسنة رمضان التى نلقيها فى يد الفقر لتطعمه ليلة واحدة يصبح بعدها مضطرا لمد يده وسؤال الناس مرة أخرى، المجلس الموقر الحالى به 7 نائبات فقط ثلاث منهن منتخبات والباقيات بالتعيين، أى أن نسبة تواجد النساء داخل مجلس الشعب لا تتعدى 1.8% وهى فضيحة بكل المقاييس لبلد تتكلم قيادته السياسية عن تمكين المرأة، ثم تعال هنا هل فكر واحد من نواب مجلس الشعب الذين هاجموا قرار مجلس الدولة بضراوة ودافعوا عن المرأة وكأنهم نسخ مكررة للسيد قاسم أمين، فى أن يجرؤ ويتكلم عن حق المرأة فى أن تصبح رئيسا لمجلس الشعب؟! ألا يمكن للدكتورة آمال عثمان أن تقوم بهذا الدور؟ ألا يمكن لهذه المرأة بخبرتها القانونية والبرلمانية أن تقود البرلمان أفضل من الدكتور فتحى سرور نفسه؟
هل أيقنت أن عمومية مجلس الدولة ليست الجهة الوحيدة التى تستحق الهجوم والاتهام بالرجعية وعدم المساواة؟ الحكومة نفسها التى عارض رئيسها الدكتور أحمد نظيف قرار عمومية مجلس الدولة الرافض لتعيين المرأة قاضية وأرسل يستفسر من الدستورية العليا عن قانونية الأمر فى محاولة للضغط على المجلس، هو واحد من أبرز المتهمين، بدليل أن وزارته لا تحتوى إلا على ثلاث وزيرات هن (فايزة أبوالنجا وزيرة للتعاون الدولى، وعائشة عبدالهادى وزيرة للقوى العاملة، ومشيرة محمود خطاب وزيرة الدولة للأسرة والسكان) من ضمن 30 وزيرا على الأقل، وأنا وأنت نعرف أن الرجل لو بيده لم يكن ليختار سيدة واحدة ضمن وزارته ولكن العادة التى جرت على تعيين امراة أو اثنتين فى بعض الوزارات اللطيفة هى التى أجبرته على ذلك، حتى تلك العادة التى تجرى منذ سبتمبر 1962 تاريخ تعيين السيدة حكمت أبوزيد وزيرة للشئون الاجتماعية تتم على استحياء وتمنح المرأة الحقائب الوزارية الهامشية، فلم يحدث مثلا أن تم الكلام عن ترشيح سيدة لرئاسة الوزراء أو أن حصلت سيدة فى مصر على حقيبة وزارية لإحدى الوزارات السيادية، فلم نسمع عن ترشيح امرأة لوزارة الداخلية، أو وزارة الخارجية أو وزارة الصناعة أو غيرها من الوزارات الهامة، بينما فى دول مثل فرنسا وأمريكا تولت المرأة منصب وزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير الخارجية بل إن آخر ثلاثة تعاقبوا على وزارة الخارجية الأمريكية التى يسعى العالم لنيل رضاها كانوا ثلاث سيدات هن مادلين أولبرايت، وكونداليزا رايس وحاليا هيلارى كلينتون وبالمناسبة الثلاثة تفقون وأتعبن نظرائهن الرجال فى دول العالم وتحديدا فى مصر، وطبعا لا داعى للكلام عما كانت تفعله كوندى أو تسيبى ليفنى وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة بأبوالغيط فأنتم تعرفونه وشاهدتموه فى الصور وقرأتم فى الصحف.

هل تعرف ياسيدى أن المرأة فى مصر تشكل نصف المجتمع تقريبا أو (48,88%) وفقًا لتعداد 2006، وتمثل 30% من إجمالى العلماء فى مصر حيث يتركزن فى العلوم الطبية (58,5%)، والعلوم الطبيعية (7,4%)، والعلوم الزراعية (2,8%)، ورغم ذلك فإننا حتى منتصف العام الماضى لم يكن لدينا فى مصر سيدة ترأس جامعة، صحيح أن الدكتورة هند حنفى أصبحت أول رئيس جامعة فى مصر بعد أن جلست بقرار رئاسة على كرسى قيادة جامعة الإسكندرية، ولكن الأمر لا يختلف كثيرا عما حدث فى مجلس الدولة، رغم وجود الكثير من الكوادر العلمية النسائية القادرة على قيادة جامعات مصر وبعضهن قدمن تجارب مشرفة حينما تولين منصب العمادة فى بعض الكليات مثل الدكتورة ماجى الحلوانى والدكتورة منى الحديدى.

الأحزاب التى انتفضت لتركب موجة الهجوم على مجلس الدولة تستحق هى الأخرى هجوما أكثر حدة وقسوة من مجلس الدولة فهل تصدق أن مصر قبل شهور قليلة من الآن لم يكن لديها رئيسة حزب، والمرأة الوحيدة الآن هى أسمهان شكرى رئيسة حزب العمل الذى يعانى من المشاكل وتعانى هى معه من بعض الرافضين لفكرة تواجدها، هذا بخلاف أن المناصب القيادية فى أحزاب مصر حتى الصغرى منها تخلو من النساء باستثناء السيدة مارجريت عازر فى حزب الجبهة، وطبعا لاداعى لأن أقول لكم إنه لم يسبق أن تم ترشيح امرأة لمنصب المحافظ فى مختلف محافظات مصر رغم وجود العديد من القيادات النسائية القادرة على القيام بهذا الدور أفضل من بعض المحافظين الموجودين ولكم فى النائبة النشيطة جورجيت قللينى خير مثال هى وغيرها. حتى منصب مجلس المدينة لم تحظ المرأة فى مصر بشرف الترشيح له إلا منذ ثلاث سنوات، ولا داعى لأن أحدثكم عن التواجد النسائى فى المجالس المحلية والشعبية لأن الأمر يثير الخجل والكسوف خصوصا حينما تطلع على التقرير الصادر عن مركز معلومات مجلس الوزراء فيما يتعلق بنتائج انتخابات المحليات فى 2008، والذى جاء فيه أن عدد المقاعد الإجمالى على جميع المستويات المحلية بلغ 53010 مقاعد، حصلت المرأة على 2495 مقعدًا فقط، وبهذا فإن نسبة تمثيل المرأة فى المجالس الشعبية المحلية توقفت عند 4.7% فقط لا غير وهى نسبة تثبت بالدليل القاطع أن عمومية مجلس الدولة ليست هى الوحيدة التى تأخذ مصر مئات السنين للخلف.

هل سيكون لائقا لو ذكرت لكم أيضا أن الشركات العامة والبنوك التى فشل الرجال فى إدارتها والحفاظ على أموالها بل سرقها بعضهم لم تحظ يوما ما برئيسة امرأة رغم وجود عدد كبير من سيدات الأعمال فى المجتمع المصرى نجحن فى تحقيق شهرة خارجية مثل السيدة عزة فهمى مصممة الحلى المعروفة وشاهيناز النجار وحسنة رشيد وغيرهن من السيدات اللاتى نجحن بإمكانيات بسيطة فى تضخيم مشروعات بدأت عبارة عن مشغل أو ورش صغيرة، وهل سيكون من اللائق أن أخبركم أيضا أن الوسط السينمائى الأكثر انفتاحا مازال حتى الآن مترددا فى منح المرأة دور البطولة المطلقة ومازال أغلب منتجيه يخشون من الاعتماد على ممثلة كبطلة وحيدة لفيلمه خوفا من الفشل وبحجة أن الممثلة لن تقوى على حمل فيلم بمفردها، هذه الحجة الجاهزة فى المجال الفنى ستجدها فى السياسة والاقتصاد والصحافة سيروجها كل رافض لفكرة التواجد النسائى على رأس مؤسسة ما استنادا إلى تجربة ما فاشلة مرة بها، أو حكم مسبق فرضته عليه الثقافة الشعبية، رغم أن بعض النساء نجحن فى أن يوقفن مصر كلها على رجل واحدة، وأن يقلبن موازين الأمور فى ذلك البلد وفعلن مالم يفعله الرجال. راجع الشهادة الجريئة للمستشارة نهى الزينى عن تزوير انتخابات 2005 وركز مع توابعه لتكتشف كيف غيرت تلك الشهادة الكثير من مسار الأحداث، وتلك شهادة لم نسمعها من قضاة رجال كانوا معها فى نفس الخندق. جميلة إسماعيل أيضا مهما كانت ملاحظاتك عليها ستبقى نموذجا لقوة المرأة ودليلا على مايمكن أن تفعله فتلك المرأة أحيت قضية زوجها من العدم وحاربت بمفردها للإبقاء على اسمه وحزبه فى الصورة، وبخلاف جميلة والمستشارة نهى الزينى أنت ترى بعينك عشرات النساء اللاتى يكافحن من أجل فتح البيوت وتربية الأبناء ويرفضن الرشاوى ويرفضن السقوط فى أفخاخ الحياة التى يسقط فيها الرجال، هناك الكثير من النساء وأنا وأنت نعلم أسماءهن يملكن سجلا كفاحيا مدهشا نجح فى قهر جميع الظروف والتغلب على كل المشاكل وحل العقد كافة، كل واحدة منهن تستطيع قيادة وزارة أو شركة أو مؤسسة صحفية أو تجلس على منصة قضاء.

هذا هو الوضع على حقيقته فى مصر.. رغم حماسة الذين هاجموا مجلس الدولة، ورغم تصريحات الذين انتقدوا قراره الرافض تعيين المرأة قاضية، ورغم شجاعة الذين اتهموه بالعنصرية واضطهاد النساء وتشويه صورة مصر فإن الحقيقة الواضحة فى النهاية تقول إن مصر ماهى إلا جمعية عمومية على كبير شوية ولكنها تشبه فى فكرها وقرارها عمومية مجلس الدولة التى لا تعرف للمساواة طريقا.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة