لا أكتب هذه السطور بغرض الحكم بجواز أو تحريم الاحتفاء بالمولد النبوى الشريف، أو حتى الحكم بشكل قاطع على كل ما يُثار حول هذا الموضوع فى الدوائر الدينية وعلى شاشات الفضائيات، فأنا بالطبع لست مؤهلة لذلك. ولكننى أنظر إلى هذا الجدل كمتلق يستفزه بعض النقاط والمَشاهد فى هذا الجدل القائم. لكلٍ من الفريقين، المؤيد للاحتفاء بالمولد الشريف والمعارض له, وجهة نظر مبنية على أسس دينية ومنطقية، ولكل مسلم الحق فى أن يقتنع بإحدى وجهات النظر ويتبعها. لا ضرر للإسلام فى أن يمتنع أى مسلم عن شراء حلوى المولد فى يوم الثانى عشر من ربيع الأول، أو أن يبقى هو وأسرته بمنزله يباشرون أعمالهم فى هذا اليوم مثل أى يوم آخر.
ولا ضرر إطلاقاً على أمة الإسلام أن يجتمع بعض المسلمين بالمئات أو الآلاف فى بيوت الله، فى هذا اليوم ذاته ليستمعوا إلى مديح الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ويرددوا الدعاء والذكر لله تعالى ولرسوله الكريم، فالاحتفاء المعتدل بمولد سيد الخلق لم يُلق الأمة يوماً فى أى ضلالة. إنما الضرر الحقيقى على الأمة هو أن يحلو لمسلم أن يقذف مسلماً آخر بالشتائم ويرشقه بأقسى اتهامات الكفر والزندقة فقط لأنه يتبع طريقاً إلى الله مختلفاً فى مظهره عن الطريق الأفضل والأكثر تقوى من وجهة نظر قاذف الشتائم والتهم. أظهر هذا الجدل القائم فى أحيان كثيرة مدى تعصب البعض لإثبات خطأ الآخر فوقع كثيرون من الفريقين فى خطأ التعميم، إذ نقرأ ونسمع أحياناً أن من يعارض الاحتفاء بالمولد الشريف هو عدو النبى صلى الله عليه وسلم، منكر لفضله وجاحد لنعمته وهو كلام عار من الصحة لا غرض منه إلا القذف.
كما نسمع أيضاً أن الاحتفاء «ضلالة لأن به اختلاط النساء والرجال يتمايلون فى حلقات الذكر» ويؤلهون محمداً عليه أفضل الصلاة والسلام (والعياذ بالله)، وهو كلام جهل يصدر فى أغلب الظن إما عن جاهل لا يبنى رأيه إلا من خلال الاستثناءات الضعيفة أو مُطلع على الحقيقة عاقد العزم على تشويهها من خلال خلط الصالح بالطالح، فقط لإثبات خطأ الآخر؛ ولا يمكن تشبيه هذا الأسلوب فى إطلاق الأحكام إلا بمن يقول فى الغرب إن كل مسلم بن لادن، فإنه فى هذه الحالة إما جاهل أو مستغل الرفض العام لبن لادن وجهل العامة فى إخفاء كل مواضع الجمال فى صورة الإسلام وإبراز الجزء القبيح منها الذى يعرفه العامة، وهذا أسلوب قد يليق بسياسى أو إعلامى كاذب لا برجل دين مهما بلغ من تعصب. التفاصيل الدينية فى هذا الجدل لا يسعها المقال وليس بمحلٍ لها، فليزدنا علماؤنا منها بالتحليل والتفنيد المبنى على قناعات فكرية عقائدية صادقة وليرحمونا من الإرهاب الفكرى عن طريق الشتائم والاتهامات والتكفير.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة