الحلقة السادسة...

الفاجومى: فى قسم إمبابة.. كنت فى حالة رعب مسيبة مفاصلى.. ولقوا معايا 65 قرش

الجمعة، 05 مارس 2010 12:39 ص
الفاجومى: فى قسم إمبابة.. كنت فى حالة رعب مسيبة مفاصلى.. ولقوا معايا 65 قرش

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄فى الطريق إلى الزنزانة «2» افتكرت قصة شهدى عطية وحكايته مع عبدالناصر وتيتو
◄فى الزنزانة لقيت سرير سفرى وجبنة بيضا وتفسير الطبرى
◄وأنا فى البوكس رجعت دماغى لحكاية لويس إسحق اللى اتقتل وهو خارج من المعتقل

فى الحلقة الماضية من الجزء الثالث من «الفاجومى» والتى يروى فيها الشاعر الكبير سيرته، يحكى نجم الحالة التى أصبح عليها بعد أن أمر الرئيس جمال عبدالناصر بالعدول عن تلفيق الأمن لقضية الاتجار فى المخدرات، ونتج عن هذا التدخل إبطال مفعول السيناريوهات الصحفية المتوقعة من الصحفيين للكتابة حول الموضوع، كما حدثت نقلة نوعية فى المريدين لنجم والشيخ إمام، حيث بدأ المثقفون العرب فى طرق أبواب حوش قدم الذى يقيم فيه نجم وإمام..

ويتذكر نجم يوم 15 مايو من عام 1969 وبينما كان يستعد للاحتفال بعيد ميلاد نعمة وكان معه من الأصدقاء: حجازى، ومحيى اللباد، وعلاء الديب، ومصطفى رمزى، وبينما هم على هذا الحال، فوجئ نجم بمن يقول له: «لو سمحت عايزينك تحت شوية»، وكان ذلك بهدف القبض عليه.

أول ما قال لى «عايزينك تحت شوية قلت فى عقل بالى
- آه هو خمستاشر مايو الملعون. قال لى واحنا نازلين ع السلم.
- احنا تجار من اسكندرية وعايزين تشرفنا واحنا عارفين إنك راجل نضالى
قلت له
- نضالى إزاى يعنى؟
قال لى
- طبعا! وهى دى عايزه سؤال
ضحكت وقلت له
- فين عربيتكم؟
فأشار لى نحو آخر شارع على عبدالعال لقيت البوكس واقف بالعرض. حمدت ربنا إننا نزلنا من البيت فى هدوء لأنى كنت حريص على عدم إزعاج ضيوف عيد الميلاد ويبدو أن هو كمان كان بيشاركنى نفس الحرص! وصلنا البوكس لقيت اثنين مخبرين بيفسحوا لى مكان فى وسطهم بينما ركب الأفندى جنب السواق. أنا بصراحة ما بصيتش فى وش المخبرين لأنى - اتخطفت على خوانه وبدأ دماغى يجيب ويودى فى حواديت التعذيب المرعبة اللى سمعناها أنا والشيخ إمام من بعض المريدين اللى سبقت لهم التجربة دى وبدأت أستعيد حدوتة شهدى عطية الشافعى - كبير مفتشى اللغة الإنجليزية فى وزارة المعارف العمومية اللى أصبح اسمها بعد 1952 وزارة التربية والتعليم ثم وزارة التعليم العالى وهو أحد زعماء منظمة «مدتو» الشيوعية ويقال - والعهدة على الراوى - انه كان صديقا شخصيا للرئيس جمال عبدالناصر وفى معتقل أبوزعبل فاضت روحه إلى بارئها تحت وطأة الضرب بالشوم وأحذية الجنود وكانت آخر كلماته «أنا فى عرض جمال عبدالناصر» ولم تنته حدوتة شهدى عطية الشافعى عند هذا الحد بل امتدت إلى جامعة بلجراد حيث كان الرئيس جمال عبدالناصر يحضر حفلا بصحبة صديقه الجنرال جوزيف بروزتيتو الذى كان يستضيفه فى يوغسلافيا ضمن الزيارات المتبادلة بين الزعيمين الصديقين «تيتو - ناصر» وفى كلمة الترحيب التى ألقاها رئيس اتحاد طلاب جامعة بلجراد وبعد الإشادة بحركة عدم الانحياز التى كان يقودها آنذاك الزعماء الكبار الأربعة جواهر لال نهرو الزعيم الهندى والتلميذ النابغ للروح العظيم المهاتماغاندى محرر الهند وأحمد سوكارنو رئيس اندونيسيا وأحد محرريها من الاستعمار وجوزيف بروز تيتو الزعيم الشيوعى اليوغسلافى الذى شق عصا الطاعة على هيمنة الاتحاد السوفيتى على دول شرق أوروبا واستقل ببلاده يوغسلافيا ثم أخيرا وليس آخرا جمال عبدالناصر حسين قائد وزعيم حركة الجيش المصرى التى أطاحت بالنظام الملكى فى مصر المحروسة فى الثالث والعشرين من شهر يوليو سنة 1952 وأثناء إلقاء رئيس اتحاد الطلبة وقف أحد الطلبة من القاعة وقال:
- لنقف الآن دقيقة حدادا على ضحايا التعذيب فى السجون والمعتقلات المصرية والذين كان آخرهم الرفيق شهدى عطية الشافعى الذى مات بالأمس تحت التعذيب فى معتقل أبى زعبل!
دارت هذه الخواطر فى رأسى وأنا فى البوكس أجلس بين مخبرين من ماركة «الشداد الغلاظ» وتنبهت على توقف البوكس أمام قسم شرطة إمبابة حيث نزلنا أنا والأفندى الذى اتجه إلى تليفون طلب منه رقما ثم وقف يقول
- تمام يا أفندم أنا العميد عادل بسيونى وأنا الآن فى قسم إمبابة ومعى أحمد فؤاد نجم
ثم وضع السماعة واتجه نحوى وبدأ تفتيشى ذاتيا وأنا لا أبدى أى رد فعل لأنى كنت فى حالة رعب مسيبه مفاصلى وبعد تفتيش عاد للتليفون وهو يقول
- فتشته يا أفندم ولقيت معاه خمسة وستين قرش ثم وضع السماعة واصطحبنى إلى «البوكس» الواقف على باب القسم وأثناء جلوسى فى البوكس رجعت دماغى تستعرض ما حدث لـ«لويس إسحق» الذى قتلوه رميا بالرصاص لحظة الإفراج عنه ضمن رفاقه وهم بالمئات وظلت حدوتة لويس إسحق على ألسنة الرفاق بعد الإفراج عنهم سنة 1964 ومعها الخلاف والجدل حول حقيقة قتل لويس إسحق لحظة الإفراج عنه بعد خمس سنوات من الاعتقال والتعذيب. كان فريق من رفاق المعتقل يزعم أن قتل لويس اسحق كان مدبراً بالتواطؤ مع بعض الزعماء.. زعماء التنظيمات الشيوعية التى وافقت على حل التنظيمات والدخول كأفراد فى الاتحاد الاشتراكى العربى وكان لويس إسحق من أشد المعارضين لفكرة حل الأحزاب وكان منطقه الذى بنى عليه موقفه يقول:
- تنظيمات سرية لم يعلن عن تشكيلها كيف نعلن حلها؟
وكان يمكن أن ينتهى الموضوع عند هذا الحد ولكن لويس أسحق هو الذى أبقى الوضع ساخناً لأنه لم يكتف برفض الحل أثناء التصويت عليه ولكنه وحتى بعد اتخاذ القرار وإبلاغه لأمن الدولة ظل يشرح وجهة نظره لرفاق السجن ويدعوهم إلى سحب قرار الزعماء وإعادة التصويت.. وفجأة توقفت السيارة أمام باب خشبى كبير نزلنا أمامه وسبقنا الضابط ودخل الباب ومعه أوراق وقفل البوابة الخشبية وراه فبقى الباب المسدود أمامى والسيدة عيشة فى ضهرى حبتين وانفتحت طاقة صغيرة أسفل الفردة الشمال من البوابة وقالوا لى خش فلازم أوطى عشان أعرف أزرق من الجحر ده وفعلاً رحت ضارب بلانص وزارق بدماغى على جوه.. أتارى جوه ده عالم يفرجك على أعجب البشر وأعجب الأيام.. ماتفهمش إزاى لقيت نفسى واقف بلبوص أمام الظابط الفحل أبوكرش اللى قعد يبص لى من فوق لتحت لدرجة شككتنى فى نواياه أتاريه كان بيتفرج على خلقة ربنا فى شخصى الضعيف وسمعت صوت من ورايا بيقول:
- ده البورص سبحان الله شبه البورص
قلت له:
- يوضع سره فى أضعف خلقه.
أتارى أخبارى أنا والشيخ امام عندهم وكلهم عرفوا خبر وميعاد وصولى وجايين بقى يتفرجوا على شجيع السينما!.
ما اعرفش بقى إيه اللى حصل لغاية مادخلونى زنزانة 2 المواجهة لمكتب الظباط لقيت الزنزانة ضلمة وحبة حبة بدأت أشوف طشاش لقيت أرضية الزنزانة أسفلت ومنتشرة فى الزنزانة بقع دم وكل بقعة جنبها أو فوقها?! أنا حطيت الصندل تحت دماغى وفردت ضهرى ع الأسفلت ورحت فى سابع نومة شوية ولقيت باب الزنزانة بيخبط وصوت من برة بيقول:
- ما تنامش أحسن عايزينك.
أول مرة صحيت نص صحيان ورحت نايم تانى وإذا بنفس الحكاية تتكرر فزيت وحاولت أفضل صاحى عشان الناس اللى عايزينى وبرضه رحت واقع ورايح فى سبعة سياتى ما صحيتش إلا الصبح على فتح باب الزنزانة ومخبر بيقول لى:
- صباح الخير يا بيه.
قلت فى عقل بالى دول عايزين يجننونى.
فقال لى بمنتهى الرقة.
- أتفضل الدورة فاضية.
ذهبت إلى دورة المياه وهى على بعد خمس زنازين من زنزانتى رقم 2 وعند عودتى من دورة المياه دخلت زنزانة غلط رحت راجع بضهرى لقيت المخبر ورايا وبيقوللى:
- اتفضل رجعت ليه.
قلت له:
- دى مش زنزانتى.
ضحك وقال لى:
- لأ هى دى أوضة سيادتك.
قلت له:
- وبعدين مع سيادتك بقى.
قال بسرعة:
- أنا ضايقت سيادتك فى حاجة.
قلت له:
- أدبك الزايد ده أنا مش مستريح له.
ضحك وقال لى:
- لأ والله صحيح دى أوضة سيادتك.
قلت له:
- يا ابنى أوضة سيادتى كانت ع الأسفلت لكن دى مفروشة.
فأشار لى نحو رقم الزنزانة لقيتها رقم 2 دخلت لقيت سرير سفرى معتبر ومفروش عليه ملاية بيضا لسة مغسولة امبارح مثلاً ولقيت ترابيزة عليها شفشق مية وكتاب ضخم بصيت على عنوانه لقيت «تفسير الطبرى» ولقيت طبق فيه حتة جبنة بيضا دوبل كريم وبيضة متقشرة ورغيف عيش بلدى ؟؟.
والمخبر واقف بيقوللى:
- سيادتك تفطر بالهنا والشفا عقبال ما اجبلك الشاى وبدأ الفار يلعب فى عبى تانى.
- ولاد «......» دول آخرهم فين؟!.
وجاءت الإجابة:
- صباح الخير.. الرائد سمير حسنين ظابط أمن دولة.
قلت له وأنا باضحك:
- أهلاً بالتليفزيون.
ضحك وقال لى:
- أنا جاى أتكلم معاك كلمتين.
قلت له:
- وأنا كلى آذان صاغية.
قال لى:
- كلنا بنحب مصر.
قلت له على الفور:
- بس مش قدى.
قال لى:
- يبقى ما اختلفناش.
قلت له:
- وأنا دلوقتى مطلوب منى إيه؟.
قال لى:
- حاجة بسيطة جداً.
قلت له:
- زى إيه مثلاً؟
قال لى:
- مطلوب انك تتكلم فقط لا غير.
قلت له:
- أتكلم أقول إيه؟
قال لى:
- دا اللى حتعرفه فى التحقيق ودلوقتى أنا ح أقوم عشان أبعت لك الدكتور.
وخرج فأغلق المخبر باب الزنزانة وتركنى وحدى أكلم الحيطة لأن الحيطة فى معتقل القلعة بتتكلم.. كل حيطان الزنازين مليانة كلام محفور عليها من مصريين مروا هنا قبلى وغداً ترفرف الراية الحمراء على وادينا الأخضر» وإلى جانبها «أحمد نبيل الهلالى الشيوعى» وإلى جانبها «اسلمى يا مصر أننى الفدا».
وبدأت أتونس بالحيطة واللى مكتوب عليها وشيئاً فشيئاً بدأت أتلايم على نفسى وأرجع لأصلى الفاجومى الأحمق اللى مطرح ما ترسى بيدق لها وفضلت أتذكر الليلة السودا اللى عدت على واللى ربنا أنقذنى من رعبها بالنوم.
<><><>
بالليل أو المغرب خبط المخبر - عبدالمنعم الطبلاوى - على الباب برقة شديدة وفتح وقال لى:
- سيادتك تلبس هدومك لأمر هام.
قلت له:
- ما أنا لابس هدومى أهه.
وبدأت اكتشف كم الغباوة اللى أعطاها سبحانه وتعالى لهذا المواطن.. عنيه بليدة ووشه فى وضع الاستفهام على طول قلت:
- أنت مندهش من إيه؟
ابتسم ووضع وشه فى الأرض.
وقال لى:
- رضا بيه هو اللى بلغنى الأمر والعربية زمانها جاية تاخد حضرتك.
قلت له:
- قشطة.. أنت معايا هنا على طول؟.
ما أعرفش إيه اللى ضحكه وهو بيقول لى:
- بالنهار بس.
قلت له:
- طب وبالليل.
ضحك وقال لى:
- معلش عن أذنك ح أقفل الباب لأمر هام وراح قافل الباب واختفى.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة