قضايا الخليج فى الصحافة ووسائل الإعلام المصرية تتم معالجتها على طريقة "اكفى على الخبر ماجو"..أى أن تلك القضايا-خصوصا الخلافات- يتم التكتم عليها وندفن رؤوسنا فى الرمال إلى أن نفيق على كارثة، كتلك التى وقعت فى الغزو العراقى للكويت يوم 2 أغسطس عام 1990 . أتذكر وقتها مانشيت "الأهرام" الرئيسى يوم 3 أغسطس جاء ليقول : كارثة عربية مفزعة.
أقول قولى هذا بمناسبة الخلافات التى ظهرت مؤخرا بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وطبعا القياس مع الفارق، فلا المملكة العربية السعودية مثل
"عراق صدام حسين" ولا دولة الامارات مثل دولة الكويت.. شتان بين الاثنين، لكن ما حدث بين البلدين مؤخرا لا يجب التهوين من شأنه بينما النار تستعر تحت الرماد.
البداية تكمن فى رصد حجم الخلافات ومدى عمقها، فالبلدين( السعودية والإمارات) يتمتعان بعلاقات وثيقة وتجمعهما عضوية مجلس التعاون الخليجى، وقيادات البلدين تتمتعان بالنضج والرشادة ولكن هناك خلافات تمتد جذورها لأكثر من 35عامًا، عندما طالبت الإمارات بنصيب أكبر فى حقل الشيبة النفطى الواقع على الحدود بينهما، بالإضافة إلى مطالبها فى الشريط الساحلى المقابل له المعروف باسم (منطقة العيديد) والذى تعتبره الإمارات تابعًا لها.
ـ بلغ الخلاف حول هذا الشريط الساحلى ذروته عندما عارضت الحكومة السعودية بناء جسر بحرى يربط الإمارات بدولة قطر، ويمر فوق المياه الإقليمية السعودية المواجهة لهذا الشريط.
ـ فى 13/6/2009، ترددت أنباء عن قيام السلطات السعودية بتشديد الإجراءات على حدودها مع الإمارات، على خلفية انسحاب الأخيرة من اتفاقية الاتحاد النقدى الخليجى لعدم اختيارها مقرًا للبنك المركزى الخليجي، وهو ما تسبب فى توقيف الشاحنات على الحدود بين البلدين، ولكن المسئولين فى إدارة الجمارك والجوازات السعودية أكدوا أن الأمر يعود لأسباب مشتركة بين الجمارك والجوازات.
ـ فى 20/8/2009 أعلنت السلطات السعودية إيقافها لآلية تنفيذ التنقل بالبطاقة الشخصية (الهوية الوطنية) بين السعودية والإمارات، احتجاجًا على خارطة الأخيرة الظاهرة كخلفية على بطاقات هوية المواطنين الإماراتيين، والتى لا تتوافق مع اتفاقية تعيين الحدود بين البلدين عام 1974، وقد اعتبر محللون هذا القرار بداية لخلافات كبيرة بين البلدين.
ـ فى 16/3/2010 وصلت الخلافات بين البلدين حول خور العيديد وحقل الشيبة النفطى المتنازع عليهما، إلى حد الصدام المسلح، حيث تعرض زورق سعودى لهجوم من قبل زورقين إماراتيين، إضافة إلى احتجاز فردين من أفراد حرس الحدود السعودى.
ورغم التكتم على موضوع الصدام المسلح بين الزوارق السعودية والاماراتية فى الخليج منتصف مارس الماضى، فقد ظهرت بوادر لوجود خلافات بين البلدين منذ مطلع ابريل الجارى. ففى يومى 1 و2 ابريل ظهرت أزمة جديدة لتكدس الشاحنات فى منطقة الغويفات الحدودية نتيجة تأخر إنجاز معاملات الشاحنات المتجهة للأراضى السعودية.
ـ ظلت المشكلة فى تلك الفترة عدة أيام مر خلالها السائقون بمعاناة شديدة لطول الانتظار فى منطقة تخلو من الخدمات لآلاف السائقين الذين كانوا ينتظرون دخول الأراضى السعودية.
على الجانب الاماراتى، نفى مسؤول-فضل عدم ذكر اسمه- وجود أى تكدس للشاحنات عند منفذ "الغويفات" الحدودى، بينما اقتصر رد الفعل السعودى على تصريح من مصادر جمركية- مجهولة الهوية أيضا-أكدت فيه ان ما تناقلته بعض وسائل الإعلام حول وجود تكدس للشاحنات على منفذ "الغويفات الحدودي" لا يعدو كونه ناجمًا عن تأخر بعض سائقى الشاحنات فى استكمال الأوراق الجمركية المطلوبة للعبور.
وقالت المصادر السعودية ان العاملين فى المنافذ قاموا بمعالجة الموقف سريعًا وإعادة الحركة الانسيابية على المنفذ لوضعها الطبيعي، مؤكدة ضرورة توخى الانتباه والوعى اللازم من قبل سائقى الشاحنات بما يضمن مزيدًا من السلامة للجميع.
ورغم انتظام حركة مرور الشاحنات عبر المنافذ الحدودية بين السعودية والامارات، وتكتم الجانبين عليها، تفجرت أزمة علنية جديدة خلال الأسبوع الأول من أبريل حين شهدت مباراة نصف النهائى بين فريقى الوصل الإماراتى والنصر السعودى لكرة القدم فى نصف نهائى بطولة الخليج للأندية، نزول جماهير البلدين إلى أرض الملعب، وحدوث تشابك بينهما مما أسفر عن توقف المباراة لعدة دقائق قبل ان يتم استئنافها مجددا.
وقد أخفقت اللجنة التنفيذية لكرة القدم فى دول مجلس التعاون الخليجى فى التوصل لقرار حاسم بشأن أحداث المباراة، مما دفعها لإحالة الأمر للاتحاد الدولى لكرة القدم لاستشارته فى المشكلة، وإنقاذ الموقف.
ونتيجة لانتقال الخلاف بين البلدين للمستوى الشعبى_ فى سابقة خليجية غير معهودة_ أصبح من الضرورى دق ناقوس الخطر، والدعوة لبحث جذور الخلاف الحقيقية لأن الإمارات ترفض التنازل عن شريط "العيديد" البحري، وتصر على أنه أرض إماراتية، وتريد استرجاعه مهما طال الزمن، وعبرت عن موقفها من خلال الابتعاد بطريقة أو بأخرى عن السعودية، وظهر ذلك بجلاء من خلال إصرار أبوظبى على استضافة مقر البنك المركزى الخليجى كشرط لقبول اتفاقية العملة الخليجية الموحدة، وعندما تمكنت الرياض من تأمين استضافة المقر انسحبت الامارات ومعها سلطنة عمان من برنامج إطلاق العملة الخليجية الموحدة.
وترد الحكومة السعودية على التمرد الإماراتى بفرض قيود بين الحين والآخر على حركة التجارة بين البلدين تحت ذرائع شتى، من بينها إصدار قوانين أو إجراءات عبور جديدة.
ورغم التكتم على واقعة احتجاز الامارات زورقا سعوديا فى مياهها الاقليمية، فان السعودية تصر على أن الزورق المحتجز كان فى مياهها الإقليمية، وليس فى مياه الإمارات، بينما تصر أبوظبى على التمسك باستعادة شريط العيديد الساحلى وتعتبر المياه التى تواجهه مياها اقليمية امارتية.
الخلاصة ان الخلاف السعودى الاماراتى مرشح للتصاعد فى ظل إصرار الطرفين على موقفهما من الخلافات الحدودية ومالم يتم التدخل سريعا ربما نفيق على كارثة كبيرة ستحمل مخاطر ضخمة لان منطقة الخليج عبارة عن برميل بارود ينتظر فقط من يشعل عود ثقاب!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة