هل نتعطش للتغيير الديمقراطى فى مصر؟ نعم. هل يُعتبر الظهور المدوّى للبرادعى على الساحة السياسية حالة إيجابية حتى لو اختلف الكثيرون معه؟ بكل تأكيد. هل نتضامن مع البرادعى فى مطالبه؟ طبعاً. هل أَعطى صوتى للبرادعى مرشحاً لرئاسة مصر؟ لا أعلم (حتى الآن). أخشى أن تجرفنا رغبتنا الجامحة فى التغيير، إلى القفز من مشهد حمل البرادعى على الأكتاف للوصول بمطالبه أو الاقتراب بها لدائرة الواقع إلى مشهد حمله على الأكتاف للوصول به إلى كرسى الحكم. لا يعنى هذا أن مثل هذه القفزة لا تحتمل النجاح أو أنها مرفوضة بشكل مطلق. إنها قفزة إذا تمت دون مبرر قوى ووعىٍ كامل يعتمد على حسابات عقلية واقعية، ستحمل مخاطر الوقوع فى حفرة مجهولة العمق والخطورة، قد لا نصاب بمكروه، أو تتكسر عظامنا أو نصاب فقط بشروخ أو نموت موتاً بطيئاً يشهد عذابا داميا. لا يعنى كلامى أيضاً أن البرادعى لا يصلح لقيادة مصر. الرجل لم يعلن عن قرار ترشحه بعد، بل إن ذلك القرار مرهون بتنفيذ مطالبه التى هى مطالب العقلاء فى مصر: إلغاء حالة الطوارئ، الإشراف القضائى على الانتخابات، حق الترشح دون قيود تعسفية، التصويت بالرقم القومى.
إذا استطاع البرادعى الحصول على هذه المطالب أوبعضها أو حتى الاقتراب من تنفيذها قبل الانتخابات (وهو ما يُعد صعباً جداً أو أقرب للمستحيل)، سيسجل بذلك ودون شك، نقطة مهولة الثقل فى كفة اختياره لهذا المنصب، إذ إنه سيثبت بذلك أنه قادر على لعبة السياسة وأنه ليس فقط مُطالِباً بما تريده قوى شعبية ولكنه قادر أيضاً على انتزاع هذه المطالب.
ولكن هل يكفى هذا؟ ما هى الرؤى الواضحة للبرادعى فيما يتعلق بالدولة المدنية؟ ماذا يعنى تحديداً قبوله تكوين حزب للإخوان المسلمين دون إقحام الدين؟ ماذا سيكون شكل القيود الجديدة وعلى مَن ستُفرض؟ كيف سيتعامل مع الإدارة الإسرائيلية؟ بأى برنامج سيوفر لنا علاجا وخدمة صحية آدمية؟ الخ.. أسئلة كثيرة من عينة تلك التى تحدد اختيار رئيس دولة فى الحالات الطبيعية.
إن لم يكن هناك بعد أى برنامج إصلاح سياسى أو اجتماعى للبرادعى أو للجمعية الوطنية للتغيير، وهذا ما أكده المتحدث الرسمى باسم الجمعية الإعلامى الكبير حمدى قنديل لقناة فرانس 24، على أى أساس تطلق الجمعية على موقعها عداً تنازلياً بعدد الأيام المتبقية «لتولى البرادعى رئاسة مصر»؟ فكرة أخشى إن ترسخت، أن تؤدى بالكثيرين إلى خلط الأمور والقفز بحماس إلى المجهول.
طبعاً سيرى البعض أن أى «مجهول» لن يصل بحالنا لأسوأ مما نحن فيه. صحيح أن القاعدة العامة تؤيد التحرك فى أى اتجاه إذا وصل الحال إلى ذروة التأزم والركود، ولكننى أفضل الانطلاق فى تطبيق هذه القاعدة على المستوى الشخصى والتريث والحساب عندما يتعلق الأمر بمصير أمة. أؤيد البرادعى الآن فى وجوده السياسى القوى، وأؤجل حكمى عليه كمرشح لحين كشفه عن المزيد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة