حافظ أبو سعدة

إسكات الأصوات الجائعة

الخميس، 15 أبريل 2010 07:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
برغم كفالة الدستور المصرى، وكذلك المواثيق الدولية المعنية بذلك الحق فى الحصول على أجر عادل مقابل العمل، وضرورة وضع حد أدنى للأجور يحقق العيش بكرامة ويضمن الحصول على حزمة من الاحتياجات الأساسية لحياة كريمة وإنسانية، غير أن الواقع يخالف ذلك، فالأجور فى مصر أغرب من الخيال، ولا أعتقد أن هناك دولة فى العالم يوجد فيها هذا التفاوت فى الأجر مثلما يحدث فى بلدنا، إذ يمكن أن نجد المسئول الذى هو على درجة مالية معينة فى وزارة من الوزارات لا يحصل سوى على قدر محدود لا يتجاوز ألف جنيه أو ألف وخمسمائة جنيه، بينما نجد أن نفس المسئول فى ذات المستوى الوظيفى أو الدرجة يصل إجمالى ما يتحصل عليه يتجاوز الدخل السنوى مرات لزميله فى وزارة أخرى ليصل إلى حوالى 20 ألف جنيه شهرياً، فمن يعمل مثلاً فى شركة من شركات البترول التابعة لوزارة البترول وليست الشركات الدولية، يحصل على مرتبات ومكافآت إجمالية تتجاوز أضعاف مضاعفة زميله فى نفس الموقع الوظيفى، الذى يشغله فى شركة من شركات وزارة الإسكان مثلاً، ولا يوجد أى اختلاف أو أعباء يمكن الاستناد إليها لإبراز هذا التفاوت.

والأمر ليس قاصراً على موظفى الحكومة والمسئولين، فالأرقام والإحصائيات تكشف التفاوت بالأجور بين القطاعات الحكومية المختلفة، وذلك وفقاً لموازنة وزارة المالية خلال السنوات الماضية ففى موازنة عام 2008/2009 بلغ نصيب الجهاز الإدارى نحو 38.8 مليار جنيه مقابل 31.34 مليار جنيه للمحليات، مقابل 8.9 مليار للهيئات الخدمية، أما فى موازنة عام 2007/2008، فقد استحوذت المحليات على النسبة الغالبة من الأجور المدفوعة للعاملين بالقطاع الحكومى، حيث وصل ما يحصل عليه هؤلاء إلى 26.5 مليار جنيه، مقابل 25.8 مليار جنيه للجهاز الإدارى و7.9 مليار للهيئات الخدمية، أما فى موازنة عام 2006/ 2007، فبلغ نصيب المحليات نحو 24 مليار جنيه، مقابل 20.1 مليار للجهاز الإدارى، و7.1 مليار للهيئات الخدمية، وفى موازنة عام 2005/2006، فبلغ نصيب المحليات نحو 21.7 مليار جنيه مقابل 18 مليار جنيه للجهاز الإدارى، و6 مليار جنيه للهيئات الخدمية.

ومن ناحية ثالثة، نجد أن اختلالات منظومة الأجور ليست بين القطاع الحكومى ونفسه، بل بين الحكومى ونظيره الخاص، فالحد الأدنى لأجر العامل فى الحكومة أعلى من القطاع الخاص!!، إذ يصل متوسط الأجر الشهرى للذكور ـ شاملاً الحوافز والمكافآت والبدلات العاملين ـ فى القطاع العام إلى 684 جنيهاً مقابل 576 لدى القطاع الخاص، وبالمثل يصل هذا الرقم للإناث العاملات فى القطاع العام إلى 684 جنيهاً مقابل 444 جنيهاً لدى القطاع الخاص، وبرغم هذا الاختلال بين القطاعين عير أن الحد شديد التدنى فى كليهما.

ومن ناحية رابعة، تلقى اختلالات الأجور بظلالها بشكل أو بآخر على منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ففى ظل تدنى معدلات الأجور وارتفاع تكلفة القطاعات الخدمية وانخفاض المخصصات المالية لهذه القطاعات من الموازنة العامة، نجد أن هناك تفاوتات رهيبة ما بين الأفراد فى حصولهم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إذ يستطيع ذوى المرتبات العالية أن ينال "رعاية صحية مناسبة، سكن مناسب، ملبس مناسب، تعليم مناسب"، ولكن من هم دون ذلك فإنهم يقعون خارج إطار المنظومة، وهذا بخلاف ما تؤكد عليه الأرقام والإحصائيات والتقارير الحكومية من تحسن وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ملخص القول إن الأجور فى مصر تفتقد بأى شكل من الأشكال للمعايير الدولية أو الإنسانية أو القانونية المعنية بوضع الحد الأدنى للأجور، فالحدّ الأدنى للأجور فى مصر هو أدنى بكثير من خطّ الفقر المدقع، والمقرّر دولياً بدولارين فى اليوم للفرد، فوفقاً لدليل السياسة الاجتماعية الذى صدر عن الأمم المتحدة فى شهر يناير 2009 نجد أن الحد الأدنى للأجور فى الحكومة والقطاع الخاص والبالغ 142 جنيهاً، أقل من خط الفقر الأدنى فى مصر، والذى يبلغ 150 جنيهاً فى الشهر، ووفقاً للدليل احتلت مصر الترتيب الخامس على مستوى منطقة الشرق الأوسط، فيما جاء ترتيبها العالمى فى المركز 62 ضمن 112 دولة شملها البحث، كما تشير البيانات الصادرة عن البنك الدولى إلى أن الحدّ الأدنى للأجور فى مصر يبلغ 425 دولاراً سنوياً فى مقابل 875 دولاراً للعامل الجزائرى و1675 للمغربى و1775 دولاراً فى تونس و1850 دولاراً فى السنغال!! مع ملاحظة أنه يزيد من انخفاض الحدّ الأدنى للأجور فى مصر زيادة ساعات العمل التى تتراوح بين 54 و58 ساعة أسبوعياً، وذلك وفقاً لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

وفى ضوء استفحال أزمة الأجور والمرتبات نتيجة التجاهل الحكومى للسياسات الاجتماعية، التى يجب أن توازن بين الأجور والأسعار، بالإضافة لغياب المجلس القومى للأجور وامتناعه عن تحديد حد أدنى للأجور حتى الآن، فضلاً عن تداعيات ذلك على منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فلابد من مراجعة الحد الأدنى للأجور بحيث ألا يقل هذا الحد عن تكلفة الحاجات الأصلية من الضروريات والحاجيات، ليصبح 1200جنيه، كما يجب تحريك الحد الأدنى للأجور كل فترة زمنية قصيرة فى ضوء الارتفاع فى الأسعار، والعمل على دعم السلع والخدمات الضرورية للحياة المعيشية التى تقدم للطبقة الفقيرة، كما أؤكد مدى أهمية الاستفادة من التجارب الدولية المطروحة فى هذا الصدد، لقد تبين من تجارب العديد من الدول ورصد المستويات الفعلية للحد الأجور للأجور فى مصر مدى أهمية وجود أكثر من حد أدنى للأجور سواء على المستوى القومى، أو وفقاً لنوع النشاط الاقتصادى، ومن ثم نحتاج إلى وجود آليات أخرى مكملة لدور المجلس القومى للأجور، وذلك من قبيل تفعيل آليات التفاوض الجماعية، وإعادة النظر فيها لتوضيح طبيعة الشركات المساهمة فيها وقواعد المشاركة وآليات التنفيذ المستخدمة وضمان مشاركة العمال فيها، وذلك لإرساء قواعد المشاركة العمالية، ومن جانب أصحاب الأعمال فى تحديد الحد الأدنى للأجور، وتتضح أهمية ذلك فى ضوء اعتبار قدرة الصناعة على دفع الحد الأدنى للأجور أحد المحددات لقيمة هذا الحد‏.

ونهاية، فإنه لا يجب إطلاق فزاعات من نوع أن زيادة الأجور أو رفع الحد الأدنى، سوف يؤدى إلى ارتفاع معدلات التضخم أو أن هذا سيؤدى إلى هروب رأس المال الذى يعتمد بالأساس على الأيدى العاملة الرخيصة، فإذا حسنت النوايا ودخلنا فى حوار مجتمعى موسع تشترك فيه كافة أجهزة الحكومة ومنظمات قطاع الأعمال والقطاعات العمالية والنقابية المختلفة ومنظمات المجتمع المدنى المعنية بذلك بهدف هيكلة منظومة الأجور فى مصر بالشكل الذى يضمن حياة كريمة لكل مواطن، كما يضمن له فى نفس الوقت الحصول على حقوقه الاقتصادية والاجتماعية بدلاً من "تسولها" من رجال الأعمال، أو من خلال الدخول فى اعتصامات وإضرابات وافتراش الأرصفة أمام مجلس الشعب، وهنا يجب أن ندرك أن التغيير الحادث فى وسائل الإعلام، وتعلم المواطنين طرق الضغط للمطالبة بحقوقهم لا يعطى إلا فرصة أو قدرة للاستبداد أو القمع لإسكات الأصوات الجائعة.

رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة