سعيد الشحات

ثلاث سنوات مدهشة فى تاريخ مصر

الجمعة، 16 أبريل 2010 12:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أواصل ما بدأته فى الأيام الماضية حول كتاب "رحيق العمر" للمفكر الكبير الدكتور جلال أمين، الذى يعد استكمالاً لسيرته الشخصية التى كتبها بعنوان: "ماذا علمتنى الحياة؟"، والصادرة منذ ثلاث سنوات.

العلاقة بين الآباء والأبناء تأخذ شكلها طبقاً لثقافة المجتمع وحضارته، والمؤكد أن هذه العلاقة فى وقتنا الحالى حدث فيها قدر كبير من الانفتاح، بالدرجة التى نرى فيها ما يجمع الأب والابن رباط هو خليط من الأبوة والصداقة والإخوة، وأنا هنا أتحدث عن العلاقة الصحيحة، التى تتم فى مناخ صحى وطبيعى، ويساهم فى ذلك تنوع وسائل تشكيل الوعى من تليفزيون إلى الإنترنت وعالمه المذهل، وإذا كان هذا هو حال لحظتنا الحاضرة، فكيف كانت فى زمن الدكتور جلال مع والده المفكر الكبير أحمد أمين؟

يقول جلال أمين: "كان أبى ينتمى إلى جيل يحتقر بشدة تدليل الأولاد والزوجات أيضاً، ويعتبر أى نوع من تدليل الأولاد طريقاً أكيداً لإفساد الولد والبنت إلى الأبد، ويعتبر تدليل الزوجة بأى صورة نقصاً فى الرجولة، وأظن أن أبى بالغ فى تجنب التدليل فى الحالتين، أكثر من اللازم، فلم نكتشف مدى عطفه وحبه لنا إلا فى وقت متأخر جداً، ودفع هو للأسف ثمناً عالياً لكتمان عواطفه.

الوصف السابق الذى يذكره جلال أمين لحال الآباء مع أبنائهم فى زمن طفولته وصباه وشبابه، لا يذكره على سبيل إدانة الحالة، ففى الكتاب سنجد أن الوالد أحمد أمين يعيش تحت جلد ابنه جلال حتى الآن، وأن جلال ومهما طار فى السماء حراً طليقاً، إلا أن والده هو صياده الأكيد عبر شبكة القيم التى نسجها له ولإخوته.

يحكى جلال أمين عن سنوات دراسته الأولى والثانوية، وكان أول الجمهورية على قسمها الأدبى، ثم مرحلة الجامعة والتى درس فيها القانون فى كلية الحقوق جامعة القاهرة، ويستخلص من حكايات يرويها عن هذه السنوات، طبيعة المجتمع وتحولاته، حتى تخرج من الجامعة عام 1955، وهو فى العشرين من عمره، وكان ترتيبه الرابع على الدفعة، والسادس على خريجى كليات الحقوق فى جامعات القاهرة، وعين شمس، والإسكندرية.

عمل جلال أمين بعد تخرجه فى مجلس الدولة، ويتذكر جلال أمين عن هذه المرحلة قصة، نفهم منها، أن قرار تأميم قناة السويس، الذى يعد أحد أمجاد جمال عبد الناصر، لم يكن قراراً انفعالياً كما يفضل أن يقول خصوم عبد الناصر، يقول جلال فى قصته، إنه كان يشاركه فى حجرته الصغيرة فى العمل زميل يكبره بعامين، حسن الهندام، ضخم الجسم، ويبدو فخوراً جداً بنفسه لاشتراكه فى عمل سرى، يعرف كل من فى الإدارة أنه عمل بالغ الأهمية دون أن يعرف أحد كنهه، ويضيف جلال أنه كان يلاحظ أن زميله هذا كان يتلقى مكالمات تليفونية من جهات عليا للغاية، لكنه لا يفصح عن كلمة واحدة عن هذه الجهات.

يقول جلال: "لم نعرف حقيقة الأمر حتى يوم 26 يوليو عام 1956، حين أعلن جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية تأميم قناة السويس، واتضح لنا أن زميلنا نبيل دكرورى، كان أحد القانونيين الشبان، الذين كانوا يساعدون قانونياً فذاً، هو الدكتور على الغتيت، فى إعداد الدراسات القانونية والوثائق التاريخية الخاصة بشركة قناة السويس، تمهيداً لاتخاذ قرار التأميم.

وإذا كان نبيل دكرورى، هو المفاجأة الشخصية لجلال فى تأميم قناة السويس، فإن المفاجأة العامة التى يراها جلال فى تأميم القناة، هى دخول مصر مرحلة جديدة فى تاريخها يصفها جلال بقوله: "انقلب حال مصر رأساً على عقب بعد تأميم قناة السويس: نظامها السياسى والاقتصادى والاجتماعى، ودخلت مصر مرحلة جديد من تاريخها مازالت بعض آثارها باقية اليوم، كانت قد بدأت ملامح التغيير فى العام السابق (1955)، ولكن كان هذا مجرد تمهيد للانقلاب العنيف الذى حدث فى يوليو 1956، واستمرت هذه الفترة السعيدة ثلاث سنوات (1955 _ 1958)، هى التى أسميها ثلاث سنوات مدهشة، انعكس فيها المناخ الرائع الذى ساد مصر خلالها، على حياتى الشخصية وحياة كل المصريين، فكيف انعكست هذه المرحلة إيجابياً على جلال أمين؟.. غداً نستكمل.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة