المصريون أحبوا المنتخب الوطنى، وأحبوا من صنعوا إنجازاته.. لكن أحيانًا ما يفسد الحب من تصرفات الأحبة.. وعندما انقلب جمهور الأهلى على المنتخب ومدربه حسن شحاتة، غضب العقلاء لأن سبب الكراهية كان بعيدًا عن مسئولية الجهاز الفنى فى واقعة هروب عصام الحضرى.. ورأينا أن سلوك الجماهير فى الملاعب وأمام شاشات التليفزيون، انحراف وانفلات وتشويه للرابطة العميقة بين منتخب يمثل رمزًا لدولة، وبين شعب من المفترض أن يتجاوز الأشياء الصغيرة حتى تبقى الأشياء الكبيرة.
وبعد الفوز بكأس الأمم الأفريقية للمرة السابعة فى تاريخ الكرة المصرية والثالثة على التوالى.. انقلب الجهاز الفنى على مثالية الرابطة بينه وبين جمهوره، وجعل من إنجازاته مشروعًا استثماريًا لجمع ثروة، رافعًا شعار «ادفع بالتى هى أحسن نأتيك بالتى هى أسرع».. ليس القصد من الشعار هو الرشوة طبعًا لا سمح الله، ولا ابتزاز لا قدر الله.. وإنما إساءة للقيمة الأدبية الرفيعة لإنجازات المنتخب، أن يضع أفراد جهازه الفنى أسعارًا لتلبية دعوات التكريم فى الداخل والخارج.. إذا أرادت جمعية أهلية أو شخصية عامة دعوة الجهاز لحفل تكريم أو لقاء جماهيرى فإن الاستجابة مشروطة بأرقام مالية.. صحيح قد تكون هناك دعوات لها صبغة شخصية ومنفعة خاصة لصاحبها، ولكن ليس كلها كذلك بما يستدعى الانتقاء من الجهاز أو الارتقاء إلى مستوى الإنجازات، إما بالاستجابة للدعوات مجانًا، أو الرفض كمبدأ إلا فى حالات إنسانية أو مناسبات وطنية تفيد الدولة.
وأخشى ما أخشاه أن تكون الأخبار المتسربة عن مشاكل تحيط بعلاقة أفراد الجهاز الفنى، وهم فى وقت الفراغ بلا ارتباطات مرجعها هذه الدعوات، بينما هم لم يختلفوا، وهم يعملون معًا كرجل واحد يتحمل مسئولية منتخب دولة، وقفت على أظافرها رسميًا وشعبيًا لتساند وتتضامن وتحتفل وتفخر بفريقها.
أريد ألا أصدق هذا رغم تكرار سماعه.. أريد أن يكون مجرد كلام صادر عن حاقدين وما أكثرهم، يختفون وراء أقلام وميكروفونات، ويضعون السم فى العسل، ولا يعجبهم أن يفوز المنتخب ويؤلمهم كثيرًا أن يحقق إنجازات.. أريد أن نتخلص من هؤلاء المرضى فى الطرفين.. الذين يتاجرون بما صنعوه من مجد، والذين لا يريدون للمنتخب مجدًا.
وهنا لا تقتصر التصرفات «النشاز» على الجهاز الفنى وقطاع من الجمهور والإعلام لا يحب المنتخب.. بل نلمس متاجرة من نوع آخر يمارسها اتحاد الكرة، ومنذ سنوات، ولم يكن يجب أن تمتد إلى حقبة الفخر برموز الكرة المصرية.. الاتحاد الآن يرفع شعار «إذا فزت بكأس الأمم الأفريقية اصنع ما شئت».. كانت الفوضى قبل كأس الأمم الأفريقية الأخيرة محكومة ببعض الضوابط وببعض من الخجل، وبعد البطولة تحللت الضوابط وزال الخجل، وأصبحت ممارسة الفوضى على المكشوف.. لم يعد الفساد مستترًا ولا متخفيًا ولا خجلاً من شىء.. وآخر الفصول الهزلية ما حدث لإبراهيم حسن مدير الكرة بالزمالك.. الذى أصبح المرآة التى نرى بها فساد الضمير الشخصى فى الاتحاد.. دفعوه للتنازل عن الدعوى القضائية مقابل العفو عنه.. ثم خدعوه.. وربما لم يخدعوه قصدًا وتعمدًا، لكنهم خدعوه إهمالاً وضعفًا وهوانًا، عندما تركوا أنفسهم «دمية» يلعب بها محمد روراوة رئيس الاتحاد الجزائرى الذى قال فيهم كلامًا يصعب تحمله وتصعب كتابته.
المتاجرة مشتركة بين الاتحاد والجهاز الفنى وأوجه التشابه فيها واضحة..مثلاً لم يعد خافيًا أن اتحاد شمال أفريقيا مكان يتجمع فيه أصحاب مصالح، بدليل أن مسئولى الجبلاية أعلنوا مقاطعته، ثم ذهبوا لحضور اجتماعاته.. فى نفس الاتجاه وضع الجهاز الفنى شروطًا مالية لتلبية دعوة تكريمه من جمعية مصرية فى الخليج.. قد يكون التكريم المالى مقبولاً، لكن يصعب قبول أن يتحول إلى شروط يفرضها الجهاز بالأرقام على مصريين يحبون بلدهم ومنتخبه الوطنى.
هذه المتاجرة بالتأكيد غيرت مشاعر الرأى العام، وجعلته يراجع حجم ونوعية ارتباطه بالمنتخب، لدرجة أن بعضًا منه ندم على الحب الجارف الذى منحه للفريق، وبعضًا آخر أخذه الشطط إلى عدم رغبته فى أن يفوز المنتخب ما دام «الرمز» يسقط أمام عينيه.. نريد أن ينعدل المسار الأخلاقى لمنتخبنا الوطنى والقائمين عليه، لتظل علاقته بالمصريين مثالية ووطنية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة