لا أقول كنا مثاليين، بل أعترف أننا كنا سذجاً، ونحن نهتف (كمال أبو عيطة وأنا): والله إن صبحت القُلة زير، ما راح تنجح يا وزير، والوزير المقصود هو وزير الرى السابق المهندس عبد العظيم أبو العطا، كان الوزير قد أنهى جولته الانتخابية فى بولاق الدكرور مركز نفوذنا السياسى وقتذاك، واستقر فى سرادق كبير تملأه الأنوار، وركبنا شيطان المشاغبة فهتف أبو عيطة ورددت وراءه الهتاف لمرة واحدة، وفى لمح البصر انقض علينا اثنان من مصاحبة الوزير بعدها كنا خارج كردون الاحتفال، نظرت إلى كمال ونظر إلى وقد تبعثرت كرامتنا على الأرض وانفجرنا فى موجة ضحك هستيرى.
انتهى الأمر بالوزير الراحل خارج مجلس الشعب، وخارج الوزارة، وخارج الرضا السامى مقبوضاً عليه فى وقائع ثورة سبتمبر المشئومة، فوجد نفسه مع كل رموز المعارضة فى سجن واحد، كانت جريرته أنه وبعد إعلان الرئيس أنور السادات فى حيفا عن استعداده بنقل مياه النيل إلى القدس بحجة أن يشرب حجاج بيت المقدس وصحراء النقب أخذ يلفت الأنظار إلى مخاطر هذا الكرم الساداتى، واعتبر أن وصول مليار متر مكعب من مياه النيل سنوياً لصحراء النقب معناه مولد إسرائيل كبرى، حيث تمنحها تلك الكمية من المياه القدرة على زراعة 500 ألف فدان جديدة، ومن ثم مضاعفة عدد سكانها، ولم يغفرها له السادات فكان نصيبه السجن حتى مات فيه يرحمه الله.
ومع ذلك ظلت نوعية النواب والوزراء حتى فى أسوأ فترات حكم الرئيس السادات مختلفة نوعياً عن مثيلتها فى أفضل فترات حكم الرئيس مبارك، ولعلنا نذكر أن وزرين للخارجية استقالا اعتراضا على ما رأياه مساساً بأمن مصر، وتضحية بدورها فى المنطقة، وهما الوزير إسماعيل فهمى والوزير محمد رياض، ولم يجد السادات غير بطرس غالى يذهب معه إلى إسرائيل كوزير دولة للخارجية، ولقد أدار ممدوح سالم رئيس الوزراء الراحل فى العام 1976 انتخابات برلمانية اتسمت بقدر كبير وغير مسبوق من النزاهة، وفيها ترك الحبل على غاربه لكافة القوى السياسة لممارسة نشاط علنى وتواصلت طوال فترة الانتخابات مع الجماهير، ولعل الكثيرين من المحللين يعتبرون هذه الانتخابات هى المقدمة الطبيعية لأحداث يناير 1977 تلك التى انفجر فيها الشارع المصرى فى مواجهة الغلاء والاستبداد من أسوان حتى الإسكندرية.
هذه النوعية من النواب هى التى رفضت أن تهرول مع المهرولين إلى حزب الرئيس الجديد الذى أسماه بالحزب الوطنى بعدما قرر أن ينهى حياة حزب الوسط فبقى فيه عدد من النواب رأوا احتراماً لأنفسهم أن يبقوا فى الحزب الذى جرد من كل ما كان يملك حتى من أعضائه ونوابه ووزرائه ومقاره، وتم تحويلها جميعا إلى الحزب الجديد للرئيس.
ظل الحزب الوطنى حريصاً إلى حدٍ كبير على أن يختار نوعيات تحظى بقبول جماهيرى حقيقى، وكان يحرص على تلك النوعية التى مارست العمل السياسى من قبل، فشهدنا على قوائمه كثيرين ممن كانوا أعضاء فى تنظيمات الثورة على قوائم الحزب الوطنى، وأذكر أن بعض القيادات الناصرية التى خرجت من السجن بعد قضاء مدد العقوبة التى حكم بها عليهم فيما سمى بمؤامرة مايو 1971 طرحوا فكرة الانضمام إلى الحزب الوطنى أواسط الثمانينات من القرن الماضى، ولم تلق فكرتهم أى ترحيب من أوساط الشباب الناصرى، فانحازوا إلى فكرة إقامة حزب مستقل للناصريين، وفى تلك الفترة دخل بعض رموز المعارضة إلى صفوف الحزب الحاكم، ومازالت أذكر قولاً للدكتور يحيى الجمل الذى انتقل إلى صفوف الحزب الوطنى قادماً من التجمع ولم يستطع أن يبقى فيه طويلاً فخرج وقال: "إنهم لا يريدون بينهم أحداً عليه القيمة، وظل الحال بعد ذلك يتدهور من سيئ إلى ما هو أسوأ حتى وصلنا إلى نوعية النواب الذين يرشحون على قوائم الحزب فى ثوبه الجديد بعد ظهور مشروع التوريث.
والحق أن أحداً لا يمكن أن يمارى فى أن نواب الحزب الوطنى صورة طبق الأصل من الحزب، أو هم بالأحرى صورة الحزب الحقيقية التى لا يمكن تجميلها بمؤتمرات فى قاعة المؤتمرات الكبرى ولا الصغرى، ولا يمكن التعمية عن حقيقتها لا بفكر جديد ولا قديم، فنواب الحزب هم واجهته التى لا تصلحها شطارة الماشطة ولو كانت تملك كل فنون التجميل، ف "الوش العكر" لا تصلحه الأصباغ، ولو كانت من أشهر ماركات بيوت الزينة فى العالم.
لم يبخل حزب الرئيس علينا بأى نوعية من النواب فقد جلبوا إلى مجلس الشعب الذى يحكم باسمه ويشرع له كل النوعيات الساقطة أخلاقياً، والتى فى أفضل تقدير لن يكون مكانها الطبيعى إلا خلف قضبان السجون، عرفنا على قوائم الحزب الوطنى نواب الكيف والعار، ونواب القروض والهروب بأموال الناس، ونواب المحمول والقمار والتهرب من الجمارك، ونواب القتل العلنى، ونواب الدعارة أصدقاء سميحة الشريفة، ونواب التزوير وازدواج الجنسية، ونواب التهريب، ونواب الرشاوى، ونواب التهرب من التجنيد، والدم الملوث، ومافيا الأراضى، وقرارات العلاج على نفقة الدولة، ونواب يقتحمون أقسام الشرطة ويعتدون على كل من فيه، ونواب ينهالون بالضرب على زميل لهم من المستقلين لأنه يخالف آراءهم، أو يختلف مع تعليمات سادتهم.
وبدلا من أن يجلجل صوت النائب تحت القبة كما كان الأمر من قبل، صار نواب الحزب الوطنى يرتجفون رعباً من نظرةٍ لأحمد عز، وقدم لنا الحزب تشكيلة رائعة من نواب اللسان الطويل يشتمون بعضهم البعض بالأم والأب تحت قبة البرلمان، ثم انتقلوا من سبِّ الآباء والأمهات إلى "سبِّ الدين"، وتوجيه الألفاظ البذيئة والخادشة للحياء، وشهدت قاعة المجلس وصلات من الردح والبذاءة لم تشهدها طوال تاريخها، ولم يترك الحزب بنداً من بنود قانون العقوبات إلا وأتى بممثل لكل جريمة فيه ووضعه تحت القبة ينعم بالحصانة وبالرضا السامى من صاحب السلطان.
ولكى تكتمل قائمة جرائم نواب الحزب الوطنى كان لابد أن ينتهى الحال بهذه النوعية بمن يخرج علينا بجريمة تحريض السلطات على ضرب المواطنين العزل بالرصاص الحى، فهل بقى فى مأجورى الحزب نوعية أسوأ يمكن أن يقدمها لنا فى المجلس الجديد المزمع انتخابه نهاية هذا العام.!
ليهنئ النظام بهذه النوعية من النواب، وليهنئ الحزب الوطنى بنواب أحمد عز، وصدق من قال: النواب على أحزابها تقع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة