د.عمرو الشوبكى

هل هناك إصلاحيون داخل النظام؟

الجمعة، 30 أبريل 2010 03:54 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ يا إصلاحيى النظام وخارجه.. اتحدوا

تزايد الجدل حول دور مؤسسات الدولة فى حسم أى صراع محتمل على السلطة فى مصر، وراهن البعض على وجود «قوة خفية» قادرة على مواجهة التوريث، وإخراج البلاد من الفقر والاستبداد، وزاد من هذه القناعة إحساس كثير من المصريين «بقلة الحيلة»، بعد تعثر محاولاتهم من أجل الإصلاح السياسى سواء بسبب القمع الأمنى أو صراعات الزعامة والفشل الداخلى.

هذا الفشل ربما دفعهم لتخيل وجود مارد مختبئ داخل قمقم، وسيخرج فى الوقت المناسب لإنقاذ البلاد مما هى فيه.

ولعل السؤال البديهى الذى يجب أن يطرح أولا: هل هناك ضمانة بأن هذا القادم سيكون أفضل مما نحن فيه؟ وهل هناك قوى إصلاحية داخل النظام، قادرة على أن تجعل مستقبل هذا البلد أفضل من حاضره؟ وهل هذه القوى الإصلاحية أفراد أم مؤسسات أم مزيج من الاثنين؟ ولماذا لا يمكن اعتبار جمال مبارك و«شلة التوريث» حاملين مشروعا إصلاحيا كما يروج البعض؟

نعم هناك قوى إصلاحية داخل النظام، وهذه القوى تشمل أفرادا وتوجهات وميولا غير واضحة لبعض المؤسسات، وهؤلاء الإصلاحيون موجودون داخل الدولة بل داخل الحزب الوطنى نفسه، رغم التدهور الذى أصاب مؤسسات الدولة والحزب الحاكم المعتمد كليا على أجهزة الدولة الأمنية والإدارية.

الحقيقة أن الوضع السياسى الحالى غير مسبوق فى تاريخ مصر المعاصر، فلأول مرة تدفع البلاد دفعا نحو حالة من الانفصال بين مشروع الحكم بالتوريث، وبين النظام بالمعنى الواسع للكلمة، بكل مؤسساته وأجهزته السيادية، وبصورة مثل فيها هذا المشروع خطراً على النظام نفسه، وأصبحت مسؤوليته مؤكدة عن انهيار الأداء العام للدولة.

والمؤكد أن مركزية دور الدولة فى مصر، جعلت ولاء المؤسسات والأجهزة السيادية المختلفة لرأس الدولة مسألة مستقرة.

ورغم كثير من الجوانب السلبية، التى خلقها هذا الوضع، من خلق ثقافة سياسية، تتسم بالخنوع والتبعية وغياب روح المبادرة والإبداع عن كثير من هياكل الدولة، فإن هذا الوضع التراتبى الصارم قد حمى البلاد من فوضى مؤكدة، ولعبت سطوة الإدارة دوراً كبيراً فى لجم كثير من الاحتجاجات والمعارك داخل مؤسسات الدولة وخارجها، إلى أن تغير المشهد مؤخراً، وصار كثير من هذه المؤسسات يعانى من خطر الفوضى والتحلل، نتيجة سوء الإدارة وعدم الكفاءة.

وبات الخطر الحقيقى الذى يهدد البلاد يكمن فى أن الحكم، لم يعد فقط أو أساسا فى مواجهة مع المعارضة السياسية من إخوان مسلمين إلى أحزاب سياسية، ومن محمد البرادعى إلى تيارات إصلاحية شابة، إنما فى مواجهة مع النظام نفسه بهياكله الإدارية المترهلة، وقوانينه الغائبة وجامعاته المنهارة وأداء وزرائه ونوابه منعدم الكفاءة.

وتحول كثير من المؤسسات العامة والمصالح الحكومية إلى عزب حقيقية، لا رقيب على قياداتها إلا مزاج السلطة السياسية، فإذا أرادت أن تحاسب بعضها لأغراض خاصة، تفعلها، وإذا لم ترد تقوم بحمايتها حتى النهاية، مهما تراكمت التقارير على خطاياها، لتصبح محاربة الفساد فى مصر فساداً، لا يخضع لأى معايير.

ولكن السؤال البسيط وربما الساذج: لماذا فشل الحكم فى محاربة التدهور الذى أصاب المجتمع ومؤسسات الدولة، رغم أن إصلاح هذه المؤسسات، وتحسين أدائها أو محاربة الفساد أمر فى صالح النظام، يضيف له ولا يخصم منه؟

المؤكد أن الصيغة السياسية الحالية غير قادرة (حتى لو كانت راغبة) على مواجهة هذا الانهيار، وأصبحت مسؤولة عن التدهور الذى أصاب أداء الدولة والنظام، وعن حجم المعاناة اليومية التى يعيشها معظم المصريين، لأنها فى الحقيقة حكمت بمعادلة حكم فريدة، وغير مسبوقة فى العهدين الملكى والجمهورى، وتتمثل فى حبس الجديد فى داخل مشروع وحيد هو توريث السلطة الذى لم يعنه أى إصلاح سياسى جاد، واستعاض عنه بالتحالف مع كبار رجال الأعمال وذوى السلطة والنفوذ من أجل تسهيل عملية انتقال السلطة من أعلى دون وضع الناس فى الاعتبار.

وصنعت مؤتمرات جماهيرية فى القرى لا علاقة لها بالواقع المعاش، وفبركت صورا ولقاءات وهمية، حضرها ضيوف من القاهرة محملين فى حافلات لجنة السياسات والفكر الجديد، وأضيف لهم ثلاثة أو أربعة أشخاص من أهل القرية على سبيل الديكور.

لقد اعتدنا فى عصورنا الجمهورية السابقة أن تتخاصم الدولة السياسية مع المعارضين السياسيين، ولكننا لأول مرة نشاهد الدولة غير السياسية تتخاصم مع المواطنين غير السياسيين، الذين تقف طموحاتهم عند حدود وسيلة انتقال آدمية لا تزهق أرواحهم، ومياه صالحة للشرب لاتختلط بمياه الصرف الصحى، وبيوت لا تنهار عليها الصخور، وحد أدنى من العدالة والكرامة الإنسانية.

والمؤكد أنه لا ينتظر أن تقدم الدولة فى مجتمع عسر وفى ظل نظام غير ديمقراطى كمصر، خدمات متطورة وحديثة لمواطنيها، كتلك التى تقدمها الدولة فى بريطانيا أو فرنسا، إنما كانت الدولة فى مصر دائماً ذات تقاليد، (بما فيها أجهزتها الأمنية) منذ تأسيسها بصورة حديثة على يد محمد على فى 1805، قادرة بكفاءتها النسبية وبتقاليدها أن تحد من أخطاء السياسة، وظل جانب كبير من هذه المؤسسات حاميا للمواطن من بطش السياسة وانحرافها، وقادراً على تقديم الحد الأدنى من الخدمات للمواطنين البسطاء ولو بكفاءة محدودة، وهذا ما جعل هناك فارقا بين مستوى الأداء العام للدولة طوال ما يزيد على ثلاثة عقود منذ قيام ثورة يوليو، وبين ما نشاهده فى السنوات الأخيرة من تدهور وصل إلى حد الانهيار.

هذا الانهيار يجعل بالضرورة هناك تيارات إصلاحية ولو غير واضحة داخل النظام، قد يدعهما ما تبقى من مؤسسات الدولة التى ترى أنه من غير المقبول حكم البلد بهذه الطريقة.

إن هؤلاء الذين يمكن وصفهم بالإصلاحيين من داخل النظام، قادرون أن يلعبوا دوراً مهماً فى أى صراع على السلطة، رغم الانهيار الذى أصاب مؤسساتهم، وقد يضطرون إلى القيام بهذا الدور دفاعا عن مصالحهم، وعليهم أن يبحثوا عن حلفاء من القوى الإصلاحية الموجودة خارج النظام.

بالتأكيد لكى تصبح إصلاحيا من داخل النظام، لابد أن تكون رافضا لمشروع التوريث وواعيا بنتائجه وآثاره المريرة على المجتمع المصرى، فحين يتسم نظام الحكم بالجمود وعدم الرغبة فى التغيير تحت حجة الحفاظ على الاستقرار، وحين يصبح الجديد الذى يعد فى الظلام، يقتل أى جديد من أجل أن «يرسى العطا» على وريث واحد، وحين يصبح تدهور الأداء العام وانهيار كفاءة الدولة هو نتيجة لهذه المعادلة وشرطا لنجاح التوريث، يصبح لزاماً على الإصلاحى الحقيقى سواء كان من داخل النظام أو خارجه أن يرفض التوريث سواء نجح فى إفشاله أو لم ينجح، فهو فى كل الأحوال تحدٍ صعب، ولكن لا بديل عنه إذا أردنا أن نبدأ إصلاحا حقيقيا.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة