◄◄المرض جعل صورة أمين التنظيم السابق تطل فى خلفية عالم الأمين الحالى.. ويومياته لاتزال مشروعاً مؤجلاً
كل من عايش جلسات مجلس الشعب فى التسعينيات يعرف أين ذلك النائب المهيب، الذى كان يسكت نواب الوطنى بإشارة من عينيه، ويواجه نواب المعارضة، بتلويحة من يده، هكذا كان كمال الشاذلى أقدم نائب فى مجلس الشعب المصرى «منذ عام 1964» وأمين التنظيم السابق بالحزب الوطنى وأحد أهم أعمدته فى السنوات الماضية، ووزير الدولة لمجلس الشعب حتى عام 2004، ورئيس المجالس القومية المتخصصة حالياً.
يجلس الرجل الآن «شفاه الله» مثلى ومثلك وهو يشاهد اشتباكات بالأيدى بين النواب، وأحذية تتطاير فى أروقة المجلس العريق، الذى تحول لمسرح يقدم كل يوم عرضاً جديداً، ربما أيضاً سيعض على شفتيه غيظاً ويتمنى لو كان فى منصبه القديم حينما كانت كلمته سيفا على رقاب نواب الأغلبية، واحترامه واجبا على نواب المعارضة، فالرجل بشخصيته التى كان يطغى عليها مظهر السياسى البسيط أو الفلاح القادم من أراضى الباجور، كان له كاريزما تدفع محاوره للإنصات حتى لو كان يخالفه الرأى، وقد تردد قبل شهور أن الشاذلى ينوى كتابة مذكراته السياسية التى لاشك ستتضمن تجربته السياسية والحزبية العريضة. فهل يمكن أن تكون هذه المذكرات فى طريقها للصدور أم أنها سوف تبقى مجرد مشروع؟.
بين عامى 2002 و2004 كانت ثمة أحاديث تتواتر حول صراع خفى بين الحرسين القديم والجديد فى الحزب الوطنى، ولكن القيادات كانت تنفى ذلك دائماً، ولكن فى عام 2006عندما تم تعيين المهندس أحمد عز أميناً للتنظيم بدلاً من كمال الشاذلى، بدأ الجميع يتأكد أن الحرس الجديد فاز بجولة مهمة فى الصراع داخل الحزب، بعدما نجح فى إبعاد يوسف والى، وتقليل دور كمال الشاذلى، ومنذ ذلك الحين بدأ كثير من الناس يترحمون على أيام كمال الشاذلى، فبتهميشه خسر الحزب الوطنى جزءا كبيرا مما تبقى له من رصيد فى الشارع المصرى، فشهرة الشاذلى فى الباجور، كانت تصل إلى محافظات أخرى، كان الناس يعتبرونه رجلاً قوياً وصاحب «عزوة» يستحق الاحترام، كما أنه فى هذه الأثناء، كان يواجه المعارضة ويلهب ظهورها بتصريحاته النارية وتعليقاته اللاذعة، وكان فى نفس الوقت هو المحاور الأول حينما يبدأ الحديث بين الحزب الوطنى والأحزاب الأخرى، لأنه يعرف مداخلها ومخارجها، ويعرف متى يهاجم ومتى يتقهقر، كان الشاذلى هو الترمومتر الذى تستطيع منه معرفة كيف هى الأجواء داخل الحزب الوطنى، وإلى أين تسير الحياة السياسية فى مصر، فالرجل كان يعتبر «حامل مفاتيح أسرار الحياة الحزبية» ومايسترو العلاقة بين الوطنى والمعارضة، وبين الوطنى وعامة الشعب، ممن كانوا يتابعون صولاته وجولاته داخل المجلس وهم على ثقة بأن الغلبة ستكون له فى النهاية، ولكن الآن بعد انسحاب الرجل من الصورة بالمرض وأشياء أخرى، عرف كثير من النواب قيمته، خاصة ممن ذاقوا مرارة التعامل مع أحمد عز، الذى يبدو كثيراً متعاطفا مع رجال الأعمال ضد الشعب، والذى يبعد النواب ويقربهم بناءً على تقارير ودراسات واستطلاعات، بينما كان الشاذلى يتعامل معهم بـ«كلمة الشرف»، كما أن عز يبدو أكثر قسوة فى قيادته للأغلبية سواء فى الموافقة على القوانين أو فى تمريرها.
أكثر ما يؤلم الشاذلى وهو فى فترة النقاهة، أن كثيرا ممن يتحدثون بلسان الحزب الوطنى الآن ينسبون لأنفسهم ما يسمونه «خطوات الإصلاح» داخل الحزب، و«رؤية» الحزب الشاملة لخطط التنمية الشاملة، وكثرة اللجان التى تدرس وتمحص، وفى النهاية السياسات تبقى كما هى، وجميعها ملفات كان يضعها الرجل فى جيبه الأيسر، وهو ذاهب إلى المجلس، أما أكثر ما يؤثر فيه فهو أن ثمة مقارنة ظالمة تجرى بينه وبين أحمد عز، الذى هو فى نظره «الطفل المعجزة» الذى يقود من اختطفوا الحزب، لينسبوا لأنفسهم ما أنجزه الشاذلى ورفاقه فى أكثر من 20 عاما، فالرجل يعتبر نفسه سبباً فى تماسك الحزب طوال تلك الفترة، حتى عندما هاجم المطالب بتعديل الدستور عام 2004، كان هو أول من أشاد بقرار الرئيس بتعديل المادة 76 عام 2005، وكان له فى كلتا الحالتين مبرراته وأسبابه.
المقارنة بين عز والشاذلى لا تعنى التفتيش فى النزاهة، فتلك أمور لا يعلمها سوى الله والجهات السيادية، ولكنها تعنى أن بعض رجال الشاذلى مازالوا يكنون له الولاء، وبعضهم يسعى لكسب ود عز كما فعل مع الشاذلى الذى يؤكد أن الأيام دول.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة