لا أظن أن معظم الكتابات التى نكتبها كل يوم، بما فيها ما أكتبه أنا، غرضها الحقيقى هو إصلاح الأمور والأحوال، فهناك أحيانا كتابة بقصد استعراض القوى أو المعلومات أو اللغة بكلماتها ومعانيها، وهناك كتابة للمجاملة وقضاء المصالح والمطالب، وكتابة للاستظراف أو الاختلاف والبحث عن مكان ومكانة وأضواء، أو لممارسة متعة الهجوم الهادئ أو الصارخ على الكبار والمسؤلين والمشاهير.
وقد اضطررت لتأكيد ذلك قبل أن أكتب اليوم عن التعليم، وفى واقع الأمر، لن أكتب عن التعليم خبرًا أو رأيًا أو تعليقًا أو تحقيقًا، وإنما سأكتب عن التعليم باقتناع أنه مستقبل مصر، أو رهانها الوحيد الحقيقى، لا البترول ولا قناة السويس ولا الألف مصنع أو الألف شاشة تليفزيونية، فلا مستقبل بدون تعليم، ولا حياة أو نجاح أو أى استقرار بدون تعليم، ولا يعنى ذلك إلا ضرورة استثناء التعليم من كل تلك الكتابات التى ليس الإصلاح بالفعل هو قصدها الحقيقى، وضرورة استثناء وزير التعليم، أى وزير للتعليم، من كل حساباتنا المسبقة سواء مع الحكومة وباقى وزرائها أو ضدها وضدهم.
فالتعليم مفترض أن يصبح ويبقى قضية تشغلنا كلنا أعمق وأكبر وأهم من ذلك، ومن الضرورى أن نكون كلنا مع وزير التعليم، بشرط أن يصبح هذا الوزير نفسه مع التعليم ومع مصر ومستقبلها، فمن المؤكد أن مصر منذ أن شهدت أول مدرسة فى تاريخها فى عهد محمد على، ومع استثناءات قليلة جداً، لم تشهد أى وزير للتعليم يعرف قيمة التعليم وتأثيره على مستقبل الأمة وليس حاضرها فقط، معظمهم كانوا موظفين بدرجة وزراء، يلتفتون للكم وليس الكيف، يفاخرون دوما بعدد المدارس التى بنوها، وليس بما يتعلمه الصغار فى أى مدرسة.
وإذا كنت أفهم أن يخاف محمد على وأولاده من التعليم حتى لا يبدأ المصريون المتعلمون فى التفكير والثورة عليه ورفض أى ظلم وكل ظالم، فأنا لا أصدق أن الرؤساء عبدالناصر والسادات ومبارك، يخافون مثل محمد على من أن يتعلم المصريون تعليما حقيقيا، ولو لم يخافوا، فلماذا هذا الإصرار الغريب على أن التعليم، مثله مثل الأوقاف أو النقل أو الإعلام أو الاقتصاد أو الأمن أو الصناعة والتجارة والبترول، مجرد قطاع يتطلب ميزانية ووزيرا يدير الشؤون والشجون، وهو الذى يجرى طول الوقت فى مصر. وبدلا من أن نبقى نكتب ونغضب ونصرخ، ويبقى أحمد زكى بدر يواصل نفس سياسة كل سابقيه، تعالوا نتفق على ضرورة تغيير كل ذلك، لنقوم كلنا بالتوقيع على عقد حقيقى بين الدولة والناس، تلتزم فيه الدولة بإخراج التعليم من كل سياساتها الدائمة أو المؤقتة، ومن كل تجاربها ومناوراتها ومطامعها وجنونها ونزواتها، ويلتزم فيه الناس، بكل من فيهم من خبراء ونقاد وصحفيين وإعلاميين وجماهير ومواطنين، بأن يخرجوا التعليم من أى قواعد قديمة للتعامل مع الدولة، سواء كانت قواعد اللامبالاة أو الغضب والكراهية أو التملق والنفاق، فالتعليم لابد أن يبقى بعيداً عن كل ذلك، وإذا كنا لم نختر أحمد زكى بدر وزيرا للتعليم، وإذا كان بعضنا سيهاجمه وهو فى قرارة نفسه يهاجم الرئيس مبارك أو أحمد نظيف أو الدنيا كلها، وبعضنا الآخر يسخر منه أو من والده الراحل زكى بدر وزير الداخلية الأسبق، فإن أحمد زكى بدر نفسه يملك الآن فرصة تاريخية واستثنائية وحقيقية، ويا ليته يستغلها لمصلحتنا كلنا، فيعد مشروعا حقيقيا ودائما للتعليم فى مصر، يعرضه على الناس أولا دون تكبر أو تعال، ويعرضه على الرئيس ويقاتل من أجل موافقته، ثم يبدأ فى تطبيقه، حتى لو كان الثمن هو خسارته منصبه، لكنه على الأقل سيكسب تقدير واحترام الجميع.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة