الناس فيما يعشقون مذاهب، وإذا كان الناس يحبون كرة القدم والطاولة والفيديو كليب فأنا أحب الأدب، وإذا كان المشجعون ينتمون إلى الأهلى أو الزمالك أو حرس الحدود، فأنا أعلن انتمائى إلى نادى «إبراهيم أصلان»، مشجعا متعصبا.
بمقاييس كرة القدم نفسها، أكثر اللاعبين احترافا هو من يستطيع إبراز مواهبه وفنياته كلها فى أضيق مساحة ممكنة، هنا يلعب أصلان فى أضيق حيز، مجرد «حجرتان وصالة» ببيجامة كستور وروب مفتوح وفانلة بأكمام، لكنه يحرز 28 هدفا نظيفا وممتعا فى مدة لا تتجاوز 140 صفحة ودون استراحة بين الشوطين.
ما كتبه إبراهيم أصلان فى كتابه البديع يحدث كل دقيقة فى معظم شقق مدن جمهورية مصر العربية، ما يحدث فى شقته هو ما يحدث فى شقتى هو ما يحدث فى شقتك، تدميس الفول وقلى عجينة الطعمية، وكسر الأطباق الصينى، والارتباط الشرطى بين البيت وريموت التليفزيون، وفتح الحلل والثلاجة لمعرفة ما فيها ثم غلقها، لم الغسيل من المنشر وتطبيقه على السرير، الوقوف فى النافذة، والكلام فى التليفون، والأكل والشرب ودخول الحمام، ليس هناك أى اختراع فى الأمر، لكن أصلان يصب الإبداع من موهبته الكبيرة على كل هذه الأشياء العادية فيحولها إلى جمال فنى خالص.
ضحكت على الأستاذ خليل وزوجته وعلاقتهما الجميلة كما لم أضحك مع أى كتاب ساخر أو فيلم كوميدى. وأنا أقرأ كنت أقوم وأتمشى فى الشقة دون شىء أفعله لأننى أشعر بأننى لا أحتمل كل هذه الجرعة من المتعة، ولأننى أبخل على نفسى بأن أستهلك كل هذا الجمال فى جلسة واحدة.
تماما كما يحدث فى كرة القدم ستفرح، وتتأثر، وتقوم من مكانك، وتجلس ثانية، وتحزن، وتدمع عيناك، وتضحك من قلبك، وستحتدم اللعبة، وتدخل الأهداف، وتقوم دائخا من الإرهاق والمتعة، الأدب مثل الكرة تحتسب نتائجه بالأهداف، وإبراهيم أصلان قادر دائما على أن يهز الشباك.
الحمد لله أن الأدب ليست فيه إصابات تمنع من النزول إلى الملعب، والحمد لله أن الأدب ليس فيه سن اعتزال.
> للعلم بالشىء: «حجرتان وصالة» هى آخر أعمال الكاتب الكبير إبراهيم أصلان، صدرت فى مطلع هذا العام عن دار الشروق، وله أيضا: بحيرة المساء، ويوسف والرداء، وحكايات من فضل الله عثمان مجموعات قصصية، ومالك الحزين، ووردية ليل، وعصافير النيل روايات، وخلوة الغلبان، وشىء من هذا القبيل نصوص سردية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة