شاءت الظروف أن أتابع عن قرب الانتخابات الرئاسية فى قبرص الشمالية التركية منذ أقل من شهر. ولا مجال هنا للمقارنة، فليس هناك أصلاً أى أوجه شبه بين مصر وهذه الجمهورية الوليدة عام 1974 التى لا تتعدى مشكلات شعبها نصف مشكلات حى جاردن سيتى.. لامقارنة، مجرد خواطر لم أستطع منعها:
1 - فاز درويش أرأوغلو على منافسيه الستة بنسبة %50.38 تأمل الأرقام، سبعة مرشحين للرئاسة فى بلد يسكنها أقل من 300 ألف مواطن! %50 نسبة لا تتواجد إلا فى الدول التى تمارس الشفافية والنزاهة أكثر ما تتحدث عنها.
2 - هذا الرقم وإن كان يعكس عدم تمتع الرئيس الجديد بتأييد الغالبية الساحقة من الشعب، إلا أنه يؤكد أن كل قبرصى تركى له أن يتمتع فى قرارة نفسه بحلاوة الشعور بأن صوته مؤثر بقوة فى مصير بلده، التى وإن كانت صغيرة حجماً، إلا أنها كبيرة تأثيراً فى حسابات وتوازنات السياسة الخارجية لدول الاتحاد الأوروبى، وإحدى أكبر القوى الإقليمية تركيا. فإن قبرص التركية بمثابة الشوكة فى ظهر حكومة أردوغان وغول، إذ إنها أكبر شمّاعة يعلق عليها الاتحاد الأوروبى رفضه انضمام تركيا له حتى الآن.
3- فاز أرأوغلو المعارض بشدة لفكرة توحيد قبرص التركية مع قبرص الجنوبية اليونانية، رغماً عن أنف حكومة أنقرة القوية الداعمة لمنافسِه الرئيس السابق محمد على طلعت. أردت أن أعرف إلى أى مدى يثق المواطن القبرصى الشمالى فى حكومته التى هى رسمياً الحكومة القبرصية الشمالية، وعملياً التركية، فسألت أحد الذين صوتوا لطلعت، إذا كانت أنقرة لاتريد أرأوغلو.. لماذا لم تتدخل بأى شكل للتأثير على الانتخابات لصالح مرشحها؟ قال مواطن الجزيرة الصغيرة بضحكة استغراب: تقصدين تلاعبا؟! لايمكن أن يحدث هذا لا قبل ولاأثناء ولابعد التصويت، ستخسر الحكومة كثيراً. لماذا تسألين، هل يحدث ذلك فى مصر؟ (وهناك كالأتراك، يقولون مِصِر ولايقولون Egypt وهو ما أشعرنى باعتزاز أكثر) فتنحنحت ورفعت رأسى فى حركة مصطنعة وكان ردى بدون إجابة: «أردت فقط أن أعرف ما يحدث هنا». 4 - يرى الكثيرون حتى من الذين صوتوا لأرأوغلو أنه لن يتمكن من العمل وفقاً لقناعته، ولكنه سيضطر للخضوع لأنقرة حيث صنبور المال والغذاء، وأنه قد يعرقل توحيد الشطرين الذى يرون أنه يصب فى مصلحتهم، ولكن الكيل بمكيالين من جانب الاتحاد الأوروبى فى تعامله معهم ومع القبارصة اليونانيين كان قد أنهكهم؛ التصويت لأرأوغلو لم يكن إذاً اقتناعاً بسياسته، بل إعلان للحرب على سياسة الاتحاد الأوروبى حيث لم ينجح الرئيس السابق محمد طلعت فى إنقاذ القبارصة الأتراك من نارها، ولا يعلم القبارصة أنفسهم حتى الآن نتيجة هذه المجازفة. أكد لى هذا المشهد الانتخابى أن أهم ما فى كل السياسات الدولية والداخلية، هو مدى شعور الشعب بأنه كبير فى وطنه، سواء كان يسكن هذا الوطن آلاف أو ملايين. احترمت النزاهة الحقيقية، احترمت القدرة على التغيير، احترمت شعور كل مواطن بأن صوته يمكن أن يكون أقوى من حكومته والحكومة المتحكمة فى حكومته!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة