مصر تدفع فاتورة تراجع دورها الريادى والقيادى فى أفريقيا الآن. أزمة مياه النيل الحالية مع دول المنبع أظهرت مدى فشل الدبلوماسية المصرية منذ حرب أكتوبر 73 فى التعامل مع دول القارة السمراء التى كانت القاهرة فى وقت من الأوقات وفى زمن آخر هى قبلة حركات التحرر فى القارة وملجأ وملاذا لقادتها.
وفى الصراع العربى الإسرائيلى وفى كل التحديات التى خاضتها مصر كانت أفريقيا السمراء سندا وعونا دائماً وظهيرا قويا بمواقفها السياسية المؤيدة، كان الصراع على أشده فى الساحة الأفريقية وحسمته مصر لصالحها وتجلى ذلك فى حرب يونيو 76 وحرب أكتوبر 73 عندما قطعت الغالبية العظمى من دول القارة علاقتها بإسرائيل ما عدا زائير - ولم تعدها إلا بعد زيارة السادات إلى تل أبيب ثم توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل.
لم يكن ذلك فقط الذى أعاد إسرائيل إلى أفريقيا وإنما بدء انحسار مصر إلى داخل حدودها مع رفع الشعار الزائف حينها بأن «مصر فوق الجميع ومصر أولاً» وتراجع دور الدبلوماسية المصرية فى أفريقيا وفى غيرها لحساب آخرين استغلوا التراجع لغرس نفوذهم فى أكثر مناطق شهدت تواجدا ملموسا وحيا لمصر ودورها.
لم تقف أفريقيا مع مصر حبا فيها أو فى زعيمها بل لأن مصر كانت تساند أفريقيا وتدعم دولها بكل وسائل الدعم وفى كل المجالات من التعليم وحتى كرة القدم واسألوا من كانوا مسؤولين فى ذلك الوقت فى الخمسينيات والستينيات.
حصدت مصر ثمار ما زرعته بفاعلية وبوعى وبمسؤولية وإدراك لدورها القيادى فى ظل عالم كان يموج بالصراعات والتحديات.
مصر تنفق فى أفريقيا منذ الستينيات كما يذكر خبير الشؤون الأفريقية وعاشق القارة السمراء الدكتور إبراهيم نصر الدين - نحو 3 مليارات دولار سنويا لكنه الآن كما يقول إنفاق كاسح ونتائجه كسيحة لا تحقق ما كانت تحققه فى السابق وما يحدث الآن من تمرد بعض دول الحوض خير شاهد ودليل.
الآن هل نستفيد من الأزمة الحالية ونعيد التفكير من جديد فى آلية تعامل مختلف مع أفريقيا، ولغة خطاب دبلوماسى وإعلامى مغاير نستعيد به بعض مما فقدناه فى السابق. لغة المصالح المشتركة هى السبيل لحل الأزمة دون تصعيد الأمور وتعقيدها. والأمر يستدعى الدعوة لقمة أفريقية عاجلة لزعماء دول حوض النيل التسعة فى القاهرة لمناقشة القضية بهدوء ووضع استراتيجيات وخطط بديلة للحل.
الأمر الآن فى أيدى الرئاسة المصرية وليس مسؤولية وزير أو جهة معينة وإنما الحالة تستدعى تدخلا طارئا من الرئيس شخصياً وحشد كل الطاقات فليس هناك الآن أزمة أخطر من الأزمة التى نمر بها.