السؤال عن خليفة مبارك مطروح، والإجابات تعددت طوال السنوات العشر الماضيات بتعدد الظروف والملابسات، وهذا الأسبوع وصلتنا إجابتان عن السؤال نفسه تحملان الكثير من الدلالات المقنعة، ولن أمضى حسب البروتوكول الرسمى فأطرح عليكم إجابة الرئيس نفسه عن السؤال، ولكن أستأذنكم فى أن نقرأ أولاً إجابة الدكتور نظيف رئيس الوزراء على السؤال الذى وجه إليه فى اجتماعه مع رؤساء تحرير الصحف الحزبية والمستقلة حول مرشح الحزب الوطنى فى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقد جاءت الإجابة فى نظرى صادقة ومعبرة عن أزمة نظام وجد نفسه بعد ثلاثين سنة من الحكم أمام بدائل محدودة، ومعطيات معاكسة، وظروف حاكمة، قال نظيف: (أتمنى أن يكون مرشح الرئاسة فى الحزب الوطنى هو الرئيس مبارك)، وربما وجد رئيس الوزراء نفسه أمام سؤال لم يطرحه عليه أحد من الحاضرين ولكنه سؤال ماثل لا يمكن تغييبه، يخص صحة الرئيس وقدرته على أن يكون هو المرشح الذى يتمناه رئيس الوزراء وكثير من أركان الحكم، ولذلك فقد استطرد يعدد الأسباب، فذكر السبب التقليدى الذى يحفظه كل أعضاء الحزب الوطنى عن ظهر قلب وهو أن الرئيس مبارك يمثل الاستقرار، وهى عبارة تدل على بقاء الحال كما هو عليه، وهو الأمر الذى يبدو أن أهل الحكم لم يعوا ـ بعد ـ أثمانه التى يمكن للوطن أن يدفعها إن هم أصروا على استمرار تلك الحال التى لم تعد قابلة للاستمرار، بما جلبته من أوضاع ومشاكل وأزمات تراكمت فوق رؤوس الناس فلم تعد لهم طاقة على احتمالها.
لكن ما يهمنا فى إجابة الدكتور نظيف عن سؤال المرشح القادم للرئاسة هو قوله الذى أبرزته اليوم السابع فى تغطيتها المميزة لوقائع اللقاء وتبعتها الصحف اليومية الأخرى، وقد راجعت عبارته فى كل مما نشر فوجدت إجماعها على قوله: "إن النظام لم يُخرج البديل الذى يمكن أن يضعه بشكل مريح فى هذا المهمة الكبرى".
أقول اقرأوا العبارة مرة أخرى، وضعوا خطوطا تحت كلمة (لم يخرج)، و(بشكل مريح)، وقد اعتبرت أن هذه هى الجملة المفتاح فى فهم ما قاله الرئيس مبارك فى إجابته على السؤال عن خليفته، وقد كانت إجابة الرئيس ـ فى نظرى ـ هى الأصدق من كل إجاباته السابقة على السؤال نفسه، وأول ما نلاحظه على هذه الإجابة المفعمة بالإيحاءات أن الرئيس لم يقل ما إذا كان سيرشح نفسه لفترة رئاسة سادسة فى انتخابات عام 2011، وبدا مبارك وكأنه فوجئ بالسؤال الذى وجهه إليه بالمؤتمر الصحفى المشترك مع رئيس الوزراء الإيطالى فى روما، أجاب الرئيس باللغة الإنجليزية عندما سئل عن خليفته فقال: "من يعلم، من يعلم، الله وحده يعلم من سيكون خليفتى"، وحين كرر الصحفى السؤال بصياغة أخرى عمن يفضل ليخلفه، أشار الرئيس إلى السماء وأجاب: "أفضل من يفضله الله".
وإذا وضعنا جملة رئيس الوزارة التى تعترف بأن النظام لم يتمكن من إيجاد البديل الذى يمكن أن يضعه بشكل مريح فى هذا المهمة الكبرى نستطيع أن نفهم بعض دلالات إجابة الرئيس الجديدة، ونستطيع أن نقول ببال مستريح إن هذا هو مأزق النظام الحقيقى، أنه ظل طوال حكم الرئيس مبارك يرفض فكرة تعيين نائب للرئيس، وظل يجرف الحياة السياسية، وظل يحاصر حركة الأحزاب السياسية، وظل مُصراً على إماتة السياسة فى مصر لصالح مشروع واحد سيطر على رؤيته للمستقبل، هو مشروع التوريث، ثم لما استجدت ظروف جديدة، وتصاعدت حدة الرفض الشعبى للتوريث، تنامت حركات الاحتجاج، وظهرت على السطح مشاريع أخرى تقدم نفسها بديلاً عن مشروع ظهر فشله، بعد ذلك كله وجد النظام نفسه وقد خلت يديه من البديل القادر على أن يضعه بشكل مريح فى هذه المهمة الكبرى حسب نص كلام رئيس الوزراء.
وهو اعتراف ضمنى من أن مشروع التوريث لم يعد يعطى القدرة على وضع جمال مبارك بشكل مريح فى مهمة خلافة أبيه، ويأتى كلام الرئيس ليؤكد الفكرة والإيحاء نفسه، أنه لا أحد يعلم من يأتى بعده غير الله، الأمر ليس فيه جديد، فالله سبحانه وتعالى يعلم من يأتى بعد مبارك، فهو سبحانه عالم بكل شىء، ولكن الجديد فى موقف الرئيس أن الأمر يبدو وقد خرج من بين يديه، كأنه يريد أن يقول: بأن ما خططنا له لم يمض إلى ما أملنا فيه، فليس أمامنا غير أن نسلم بما يأتى به الله.
هكذا فهمت كلام رئيس الوزراء وهكذا وصلتنى إجابة الرئيس مبارك التى أعتبرها مغايرة عما سبقها من إجابات، ولا شك أن تقدير موقف الرئيس فى ظل الظروف القائمة يجعلنا نقول إن خطوته القادمة على رقعة الشطرنج الرئاسى لم يعد له فيها إلا القليل من الحركات بعد أن فوجئ النظام كله بمن يقول له: كش ملك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة