ما أقرب الشبه بين حوض النيل وحوض «الفيفا».. كل منهما أزمة لا علاقة لها بالأخرى، لكن العلاقة وطيدة وعميقة بينهما وبين العقلية المصرية التى ضلت طريقها وطوت تاريخها تحت رأسها كالوسادة لتنام هنيئاً مريئاً إلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولا.. تنتظر ربما توقظها الكوارث والمآسى والمخاطر المباشرة التى لا ينفع معها المناورة ولا تزييف الحقائق ولا خداع الأرقام ولا الأكليشهات الإعلامية التى نسمعها ونقرؤها منذ نعومة أظافرنا وحتى الآن وأقربها للذهن الكلمة الشهيرة «لا مساس».. لا مساس بالدعم ولا مساس بالنيل ولا مساس بالريادة..
نحن الآن بصدد فضيحتين وليس مشكلتين.. فضيحة الغرق فى حوض النيل والغرق فى مهانة عقوبات الفيفا.. وكما كنا مهملين فى الجد ومقصرين وكسالى ومنفصلين عن تاريخنا وواقعنا وفاقدين للرؤية فى علاقتنا مع أفريقيا حتى أصبحنا مهددين بالعطش ليكمل مع الجوع حلقة الموت.. فقد كنا كذلك فى اللعب حتى كشف «الفيفا» بلادتنا وعشوائيتنا بعقوباته التى فرح بها مسؤولو الجبلاية، بينما كان الأجدر بهم أن يأسفوا ويخجلوا ويستقيلوا.. فهى فضيحة لا تقل عن فضيحة صفر المونديال التى طارت بسببها روؤس كبيرة.. إنه نفس الفشل ونفس أسبابه ودوافعه وبنفس العقلية المغيبة.. لكن لا نعرف لماذا تسكت الدولة عن الفضيحة الحالية؟ ولماذا لم تهزها مثلما اهتزت بعد صفر المونديال؟!
يبدو أن الحالة العامة لا تشجع على ذلك.. لأن الجميع فى الهم سواء.. فإذا طالبنا بإقالة اتحاد الكرة ويمكن تنفيذ ذلك بسهولة دون خوف من الفيفا لأن الأوامر السيادية لا تصد ولا ترد.. فإنه من الأولى أيضاً أن نطالب بإقالة الحكومة ووزير الرى بعد فضيحة استقواء دول حوض النيل علينا، بعد أن كانت فى زمن ما تأخذنا قدوة ونموذجاً وزعامة.. والآن بلغ بنا الهوان أن يتحدانا بكل صلابة واستخفاف مليس زيناوى رئيس وزراء إثيوبيا ويقول اليوم ما كان مستحيلاً قوله بالأمس بأن مصر لن تستطيع منعنا من بناء سدود على النيل وبأن أفكار مسؤوليها عن ضعف دول الحوض بالية..
هل كان أى حاكم أفريقى قادراً على قول ذلك قبل سنوات الهوان.. وهل كانت أى إدارة فى الجبلاية غير إدارة سمير زاهر ورفاقه مستعدة أن تعرض نفسها للإهانة بهذا الشكل وأن تمارس هذا التضليل العلنى المباشر للرأى العام فى قضية الأتوبيس الجزائرى وفى ملف أحداث السودان، لنكتشف بعد ذلك أنه لا يوجد ملف أصلاً، وأننا كنا معرضين لعقوبات أكثر قسوة مثل خصم النقاط ونقل المباريات خارج حدود مصر لولا الصدفة السعيدة التى تزامنت فيها القضية مع قرب انتخابات الفيفا ورغبة جوزيف بلاتر فى أن يزيل كل المشاكل التى تعترض استمراره رئيساً للاتحاد الدولى.. وأعتقد أن مسؤولى الجبلاية ضحكوا على الشعب والحكومة فى آن واحد وهى حالة استثنائية غير مسبوقة.. أدت إلى أن الأخ محمد روراوة رئيس اتحاد الجزائر لم يعر أى اهتمام لرغبة جهابذة الجبلاية فى المصالحة ورفض بإصرار وتعنت رغم وساطة كبير العائلة الكروية العربية الأمير سلطان بن فهد..
إنها حالة أخرى من الاستخفاف بنا شبيهة باستخفاف دول حوض النيل.. لأن الشخصية المصرية «تحورت» وتغيرت ملامحها وانهزمت إرادتها.. وتعيش الآن على الماضى وتستسهل الفهلوة لعرض نفسها فى ثوبها الجديد الذى تستغربه الأمم الأخرى.. لقد أصيبت هذه الشخصية بالإعياء والتعب تحت وطأة الحاجة والفقر وغياب المشاريع القومية والخوف من المستقبل.. ولم تعد قادرة على المقاومة وأقرب إلى الانتحار المعنوى فلا يكون لها هدف ولا طلب ولا حس وطنى..
ورغم ذلك مازالت بقية منها لا تريد أن تخلع عباءة انتفاخ الذات بدون مناسبة فاستخفت بالآخرين رغم أنها عملياً أصبحت محط استخفافهم.. وهذا الإصرار على الاستخفاف يزيد من رغبة الأعداء والأصدقاء والأشقاء حولها فى أن تزيد ضعفاً وتزداد هواناً.. ويتشابه الغرق فى حوض النيل مع الغرق فى حوض «الفيفا» فى الدوافع الشخصية المرتبطة بمنافع ومصالح خاصة فقط دون اهتمام واجب بالشأن العام وبقضايا مصيرية..
للأسف نحن نحب النيل ونحب كرة القدم لكننا لا نحمى هذا الحب ونتركه للعواصف تهب على عالم جديد متغير تحكمه معايير التفوق العلمية والتكنولوجية ويتطور فيه احترام حقوق الإنسان، ولا نملك من أمل سوى القول بأن رب ضارة نافعة.. رب أزمة تغير العقلية المصرية وتعيد لها الاتزان والتوهج.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة