تعديل واحد فى الدستور كفيل بإنجاز أكبر عملية إصلاح فى تاريخ مصر، إصلاح حقيقى ليس على طريقة الإصلاح السياسى الذى آخرته موت السياسة، إصلاح يضمن التقدم إلى أمام، وليس إصلاح الرجوع إلى الخلف، إصلاح يضمن ميلاد الجمهورية الرابعة، ولا يعيدنا إلى الملكية الأولى.
التعديل المطلوب لا علاقة له بصلاحيات الرئيس المنصوص عليها فى الدستور الحالى، والتى تجعل من أى رئيس فرعون البلاد والعباد، وتعديلنا لا يقترب من المدد المفتوحة للحكم على كيف الرئيس وحسب مزاجه، ولا علاقة بالتعديل المطلوب بمنع توريث الحكم، ولا يتضمن هذا التعديل الذى ندعو إليه أى إشارة إلى تثبيت أو إلغاء مبدأ أن تكون الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع، ولا أن تكون من مصادر التشريع أساساً، ولا يمت تعديلنا المقترح بصلة إلى مطالب المعارضة الإصلاحية الساعية إلى تعديلات دستورية تضمن تحول البلاد إلى الديمقراطية، ولا يمس احتكار حزب الرئيس للسياسة فى البلد، ولا يتناول الحق فى تكوين الأحزاب، ولا الحق فى إنشاء الصحف والقنوات الفضائية والأرضية، ولا علاقة له البتة بالموضوعات السياسية ولا الحريات النقابية، ولا يقترب من قريب أو بعيد مما يطالب به القضاة من استقلال للقضاء.
التعديل المطلوب بسيط وربما لا يستغرق أكثر من ثلاثة أسطر فى الدستور، عوضاً عن كبر حجم وطول وعرض وقفا المادة 76 الشهيرة، تلك المادة التى لا مثيل لها (حسب ادعاءات فقهاء الدستور) فى أى دستور فى العالم الحر المتحضر ولا حتى فى العالمين النامى والمتخلف على السواء.
التعديل الذى نقترحه لا يغضب حاكم، ولا يكبل حركة المحكومين، لا ينزع من حاكم صلاحية، ولا يعطى للشعب ميزة تفضيلية على حكامه، وهو إن لم ينفعهم فهو لن يضرهم، هذا التعديل الذى طال انتظاره، وأصبح واجب التضمين فى دستور البلاد لابد أن ينص على "النفاق ممنوع ومرذول، وإن كان ولابد أن تمنح الحرية للمنافقين فيجب أن يكون على حساب المنافق ومن أمواله الخاصة، ولمرة واحدة فى فترة حكم الرئيس، ويمتنع على المنافقين استخدام الوسائل العامة فى النفاق، ويمتنع الحاكم عن أن يصرح بإنشاء وسيلة نفاق عامة أثناء فترة حكمه، ولا يستفيد منها إلا بعد تركه للحكم، ولا يعمل بها أثناء فترات حكمه المديد".
بموجب هذا التعديل يمتنع على المنافقين نفاق الحاكمين بدءاً من الرئيس (حفظه الله ورعاه) وانتهاء بأصغر مأمور قسم بوليس، إلا لمرة واحدة فى الدورة الرئاسية الواحدة، وفى المذكرة التفسيرية يمكن أن ينص على أن هذا التعديل جاء إعمالاً لمبدأ "لا نفاق على حساب الشعب"، وأن من يريد أن ينافق فلينافق على حسابه، ومن جيبه، أو من جيب أبيه، خاصة إن كان من ذوى المال والأعمال.
مذكرة التعديل التفسيرية يجب أن تنص على أن تقليل حجم النفاق فى البلد يسمح بترشيد النفقات، ويحافظ على أموال الشعب، ويفتح الباب أمام محاسبة شعبية للمنافقين الذى يستغلون أموال الشعب فى نفاق حكامه من أموال الضرائب التى يكدحون على تحصيلها ويواصلون الليل مع النهار حتى لا تضطر الحكومة إلى أن تشحت عليهم من دول العالم التى لم تكن موجودة على الخريطة حين كانت مصر أم الدنيا وأبوها فى الوقت نفسه.
ولا شك أن السماح بالنفاق لمرة واحدة سيقلل من التزايد المضطرد فى حجم الإنفاق العام، ويقلل من عجز الموازنة بين نفاق الحاكم والنظر فى شئون المحكومين، وهو إذ يسمح للمنافقين بأن يمارسوا نفاقهم لمرة واحدة طوال المدة الرئاسية طالت أم قصرت هذه المدة أو المدد، فهو يدفع المنافقين لممارسة أدوار أخرى أكثر أهمية لمصلحة الشعب بعد أن يمتنع عليهم نفاق الحكام، وقد يدفعهم للإحساس بضرورة نفاق الشعب ولو لمرة واحدة فى العمر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة