انتظر عبدالحليم حافظ الحبيبة فاتن حمامة فوق كوبرى قصر النيل فى «موعد غرام» لم يتم فكان العتاب واللوم، وكان لقاء آخر مبهج وسعيد، وانتهج العشاق بعد ذلك سيرة الحب مثل حليم على ممشى قصر النيل.
كان الزمن جميلاً والأحلام قابلة للتحقق والحب بنهاياته السعيدة يحتضن الأحباء، والوطن صدره حنون يتسع للجميع.
فى نفس المكان وفى زمن آخر يضيق فيه الوطن على اتساعه ورحابته بأبنائه انتحر «عمرو موسى» المواطن المصرى المسكين مثل غيره من الشباب فى سنوات القسوة والاغتراب الأخيرة من فوق كوبرى قصر النيل، والذى بات لزاما تغيير مسماه إلى جسر المنتحرين والموتى..(العشاق سابقاً).
بات الانتحار الوسيلة الوحيدة أمام عمرو وغيره ممن سبقوه، والذين سيلحقون به من شباب فى شرخ العمر، والأسباب معروفة فأمراض البطالة والفقر وانعدام فرص العمل من أجل عيشة إنسانية كريمة يتمناها أى مواطن بسيط أو يستحقها، أصبحت ضرباً من الخيال، فاستحالت الحياة مثل الموت والعدم، لاقيمة لها طالما أن أبسط الأحلام للزواج من الحبيبة وتكوين عش صغير للحياه غير قابل أن يكون واقعا وحقيقة فى وطن كان من المفترض أن يهب وينتفض وينزعج أمام ظاهرة الانتحار، لكن يبدو أن الوطن «تبلد» ولم يعد مهتما بمن مات احتجاجاً فوق قصر النيل، أو فى مراكب الموت، أو فى القطارات والسفن، فلا أحد مشغولاً بالمواطن المنتحر، فالكل فى وجهة نظر مسؤولى الوطن موتى فى حياتهم مهما كان حجم الصرخة والإدانة للمتسببين فى الموت أو الانتحار.
فى دول آخرى يحكمها أناس أخرون تقوم الدنيا ولاتقعد أمام حالة انتحار واحدة، فكيف الحال إذا كانت الإحصاءات تفيد بأن 250 حالة انتحار فى مصر وقعت العام الماضى لأسباب فى معظمها اقتصادية واجتماعية، وأعمار معظم من انتحروا لا يتعدى الأربعين عاما. لم يخرج مسؤول أو مسؤولة «عنده أو عندها دم» ليدين نفسه وحكومته ثم يدين الظاهرة ويطلب محاسبة من أوصل هؤلاء إلى الانتحار.