ما يجرى بين القضاة والمحامين، وما يجرى من مواجهة بين الكنيسة والقضاء، وما يجرى على صعيد التعامل اليومى بين الشرطة وبين الناس، وما يجرى بين الناس بعضهم البعض من لجوء إلى العنف بشتى أشكاله كل يوم وكل ساعة، تلك السيوف والسنج التى تظهر عند أول خلاف علنى بين مواطنين، هذا التزوير الفاضح لإرادة الناخبين، هذا كله مظاهر سقوط دولة القانون، وقيام دولة البلطجة.
دولة لا تقوم إلا على قانون الطوارئ، السيادة فيها للتعذيب، وانتهاكات حقوق الإنسان، وإهدار آدميته، والحط من شأنه، هى دولة تمارس العنف وتحرض عليه، ولا أمل فى أى حلٍ إلا بإعادة الاعتبار إلى دولة القانون الطبيعى، والانقلاب على دولة القهر والطوارئ، ويخطئ من يتعامل مع ما يحدث فى بر مصر على أنه مجموعة ظواهر متفرقة، لا علاقة لأحدها بالأخرى، ولن تنجح أى طريقة للتعامل مع ظاهرة من هذه الظواهر المخيفة إلا إذا جرى تشخيصها فى إطار عام جامع، إطار يمكننا من النظر إليها بنظرة موضوعية.
دولة القانون تصون الحقوق كلها، وتوازن بينها جميعاً، ولا تغفل حقاً لمصلحة آخر، ودولة الغابة تبدد هذه الحقوق، وتفرض قانونها الخاص، القانون الذى يعتد بالقوة أسلوباً وحيداً فى فرض الحقوق، القوة فيها فوق الحق، والبقاء فيها للأقوى، وليس لصاحب الحق، والقانون يطبق بطريقة عشوائية، ينضوى تحته الضعيف ويكسره القوى.
دولة القانون تفرض القانون على كل من فيها، الكبير والصغير، القوى والضعيف، الحكومة قبل المحكومين، لا فرق فيها بين المواطنين إلا بالالتزام بالقانون، ودولة القهر لا قانون فيها، غير قوانين الفساد والاستبداد.
دولة القانون تقوم على تشريع يعبر عن مصالح الأغلبية، وقضاء عادل مستقل، وإعلام حر، أما دولة القهر فأساسها تشريعات لمصلحة فئة محدودة من المواطنين، وقضاء تابع وفاسد، وإعلام موجه أو مكبل.
دولة القانون، دولة يعيش فيها المواطنون سواسية تحت مظلة من الأحكام والقوانين التى تنظّم الحريات وإدارة شئون الدولة، وتكون السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية مستقلة عن بعضها البعض، القانون هو الحاكم والمنظّم لأمور الحياة بموجب دستور متوافق عليه بين طبقات المجتمع، ودولة القهر يعيش فيها المواطن تحت رحمة أصحاب النفوذ، السلطة التنفيذية هى الطاغية فوق كل السلطات، والعنف هو صاحب الكلمة العليا فى المجتمع فى ظل دستور مفروض على الجميع، ولا يحظى بتوافق عام عليه من جميع طوائف الشعب وطبقاته.
فى دولة القانون الجميع أمام القانون سواء، وفى دولة القهر الجميع تحت رحمة الحكومة سواء، من شاءت قربتهم منها، ونالوا رضاها، ومن شاءت أبعدتهم، ونالوا سخطها وتعذيبها.
فى دولة القانون يسود مبدأ المساواة بين الناس أياً كان أصلهم، أو دينهم، أو لونهم، أو رأيهم السياسي، ومعتقداتهم الفكرية، أو أصولهم الاجتماعية، لأن الإنسان قيمة فى ذاته، وما وجدت السلطة إلا من أجل حمايته وتوفير الحريات له، أما دولة القهر فيسود فيها مبدأ طغيان الحكام على المحكومين، المواطنون فيها أمام الاستبداد سواء، والإنسان مدان برأيه ودينه ولونه ورأيه السياسى وانحيازه الفكرى إن هو خالف رأى الحاكم أو عارضه.
فى دولة القانون لا سلطة فوق القانون، والقانون هو الذى يحمى الفرد من الاستبداد، وفى دولة القهر السلطة كل السلطة فى يد الرئيس، وهو صاحب الاختصاصات التى تجعل منه فرعون البلاد.
فى دولة القانون السيادة فى يد الشعب، والحكام ليسوا إلا مجرد عمال لصاحب السيادة، وفى دولة القهر السيادة للرئيس، والشعب ليس إلا مجرد عمال عند صاحب الفخامة.
الحكام فى دولة القانون فى خدمة المحكومين، وفى دولة القهر يكون المواطنون خداماً للحكومات، وعبيداً لديها، فى دولة القانون يستطيع المواطنون أن يغيروا حكوماتهم عبر وسيلة الانتخابات الحرة النزيهة، وفى دولة القهر تقوم الحكومة بالانتخاب نيابة عن الشعب، ويستمر الحاكم فى الحكم حتى يسلمه إلى ابنه، أو توافيه المنية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة