هو فعلاً مونديال الهنا.. لأننا سوف نهنأ بأجمل وأحلى كرة قدم فى الدنيا.. لكن ياريتنا كمصريين كنا فى الهنا سوا مع المونديال.. بدأنا المشاهدة والمتابعة والاستمتاع وغمرتنا النشوة ونحن بصدد متعة فى أعلى سقف لا تتوفر لنا إلا كل 4 سنوات.. لكن فى الوقت نفسه لم تفارقنا المرارة لأننا انفصلنا عن مسرح المونديال واكتفينا بالجلوس فى صفوف المتفرجين..
الجمهور يجلس أمام شاشات التليفزيون ويتحسر كلما شاهد مباراة ورأى منتخبات أقل منا تظهر على المسرح.. يتحسر وهو يرى كل المنتخبات الأفريقية المشاركة أقل من منتخبنا شأناً وتاريخاً وفناً وموهبة.. ويسأل نفسه مرة تلو الأخرى: لماذا لم نصل وقد كنا قادرين على ذلك؟ وهو فى سياق المتعة يقاطعه الشعور بالمرارة من حين لآخر، فيكلم نفسه ويتمتم غضباً ولو رأى ساعتها من تسببوا فى إجهاض حلمه الكبير سواء عن جهل أو عن سوء قصد أو سوء نية أو سوء تقدير لأوسعوه ضرباً وكتموا أنفاسه..
عموماً علينا أن ننسى وإلا فقدنا كل شىء.. فقدنا التأهل وفقدنا الاستمتاع.. وأيضاً علينا ألا نجعل موقفنا من منتخب الجزائر قضية كبيرة تشوش على المتعة.. فلا يصح أن نخلق لأنفسنا قضايا تشغلنا بدون داع،. خاصة أن التدخل فى عواطف الناس أصبح محفوفاً بالمخاطر وغير مضمون النتائج.. ففى كرة القدم يصبح كل مواطن قضية بحد ذاته.. لا تستطيع أن تغير عواطفه بعكس سهولة تغيير العواطف فى مجالات أخرى كالسياسة والثقافة والفن.. يمكن أن يقبل المصريون فكرة تفوق الدراما السورية والتركية على الدراما المصرية ويسارعون إلى الفرجة عليها.. ولكنهم لا يقبلون فكرة تفوق أى منتخب عربى على منتخب مصر وكأنما الوطنية ولدت فى الملاعب.
لا يتعصب المصريون للأحزاب ولا للقيادات والزعامات ولا لنجوم الفن والطرب وتجدهم يتنقلون من نجم إلى نجم بسهولة وتلقائية.. بينما يتعصبون للارتباط الوثيق الذى لا ينفك أبداً للأندية وخاصة الأهلى والزمالك ثم المنتخب.. بل أكثر من ذلك يندر أن ترى مجموعات كبيرة من الرأى العام تعرف حتى أسماء الأحزاب والقيادات وكل النجوم بينما الـ 80 مليونا يعرفون الأندية ويحفظون اللاعبين ويرفضون مبدأ النقاش فى ميولهم.. ومن هنا تأتى الدعوة للحجر على العواطف تجاه منتخب الجزائر عملاً سياسياً يغير فقط من الشكل ولا يقترب من المضمون.. سوف يتخذ الإعلام موقفاً جماعياً محايداً أو منحازاً لمنتخب الجزائر فى المونديال، بينما لن يتخذ الرأى العام والشعبى أى قرار جديد فى عواطفه..
فالنسيان صعب فى كرة القدم.. والمواطن العادى الذى لا يعرف شيئاً عن حدث كبير وقع من سنة واحدة مثلاً فى السياسة أو الاقتصاد سوف تجده يحفظ عن ظهر قلب ما حدث فى مباراة الأهلى والزمالك سنة 1950 مثلاً.. ربما لم يكن وقتها قد خرج بعد للحياة لكنه فى غمرة ارتباطه العميق بانتمائه وعلاقته بكرة القدم اهتم بأن يعرف.. وكلما زاد الارتباط باللعبة زاد التمسك بالانطباعات والمواقف والميول.. ولذلك إذا أجريت استطلاعاً شعبياً عن موقف المصريين من منتخب الجزائر سوف يطلب البعض تشجيع الجزائر وتكتشف أنهم مرتبطون بكرة القدم من بعيد.. وسوف يرفض آخرون تشجيع الجزائر وتكتشف أنهم الأوثق علاقة باللعبة..
وإذا قادتك الصدفة لأن تتذكر مع مجموعة من المواطنين ما حدث فى المباراة الفاصلة فى السودان سوف تحصل على إجماع كامل بلا نقصان ضد منتخب الجزائر.. هناك فوارق فى عاطفة الناس تجاه مشاركة الجزائر فى كأس العالم لكن الانطباع العام يعكس عدم قبول فريق أخرج منتخبنا بطريقة درامية ومأساوية.. وكثيرون من الذين ينادون بالتعاطف مع المشاركة الجزائرية يحددون موقفهم بناء على قواعد ثابتة فى العلاقات العربية العربية لا يجب أن تغيرها الأحداث.. وهم فى قرارة أنفسهم لا يعنيهم ما إذا فاز منتخب الجزائر أو خسر فى المونديال، بل ربما لا يعتبرون مسألة تشجيعه قضية تستحق هذا الاهتمام ولو ضغطت عليهم بذكريات مباريات التصفيات ربما يغيرون موقفهم..
وخلاصة كل هذا الكلام أننا لابد أن نقبل ونعترف بخصوصية العلاقة بين الرأى العام وكرة القدم والاقتناع بأن كراهية منتخب الجزائر ليست كراهية للجزائر على الإطلاق.. لأن جزائر جميلة أبو حريد وهوارى بومدين غير جزائر محمد روراوة وما يمكن أن تفعله الأفكار الصغيرة لا يجب أن يمتد إلى الأفكار الكبيرة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة