لو أن شعباً أصابه جنون البقر وأراد أن تنحدر أحواله إلى الحضيض، لما وجد فى العالم حكومة تقوده إلى ذلك الحضيض بهمة، ونشاط وقدرة على المبادرة، وسرعة فى التنفيذ، وجودة فى الأداء، مثل حكومتنا الرشيدة.
حكومة ترعى الفساد ولا تحرمه من اللى نفسه فيه، كل الناس فى الداخل وفى الخارج، اقتصاديون وسياسيون، فى منظمة الشفافية، وحتى بائعة الملوخية، كلهم يتحدثون عن الفساد الذى استشرى، والفاسدين الذين أصبح لهم ظهر، ولا يستطيع أحد كائناً من كان أن يضربهم على بطونهم، التى انتفخت بالمال الحرام.
لا أحد يعرف من فى هذه الحكومة هو الذى أعطى التوجيهات بالطناش على كل ما يقال ويردد وتتناقله ألسنة الناس عن حجم الفساد وتوحش الفاسدين، وعمليات الفساد، بالأسماء والتفاصيل.
الحكومة التى كانت تسمع دبة نملة المعارضة، وهى فى جوف الليل، لا تستمع إلى قهقهة الفساد على عينك يا تاجر وساتر على المفسدين، والكلام عن الفساد لم يعد من قبيل الأسرار التى يعرفها الخاصة ومحجوبة عن العامة، بل أصبح حديث كل المجالس، تسمعه على القهاوى وفى قاعة مجلس الشعب، من مسئولين ومن معارضين، من ضباط ومن حرامية، والموضوع لا يحتاج إلى أجهزة سرية تبحث، لا يحتاج الأمر إلا إلى قرار بإحالة كل الأسماء إلى التحقيق أمام جهة قضائية موثوق فيها.
ولكن من يفعل ذلك؟
الفاسدون أم من يحميهم؟
نائب بمجلس الشعب اتهم زميلا له فى المجلس بأنه أثرى على حساب الشعب وسأله أمام الجميع من أين لك كل هذه المليارات وأنت لم تكن شيئاً مذكوراً قبل سنوات قليلة، وتحولت الجرائد التى يملكها الشعب ويمولها من جيوبه، إلى أبواق للمتهم، تمدحه، وتشتم أعداءه من المطالبين بالبحث فى ثروته المتضخمة.
لا يحتاج الأمر إلى عناء كبير ليعرف من يريد أن يعرف أن الأمر فيه بدل الجريمة ألف جريمة، حيث لا يمكن لعاقل أن يتصور أن شخصاً ما يمكنه أن يجمع خلال أقل من عقد كل هذه الثروة، إلا إذا كانت بطرق لا يعرفها غير الجن والأبالسة من بنى آدم، ولكن الحكومة التى تسحل بياع الروبابيكيا فى الشارع هى التى تحمى طفل المليارات المدلل.
مشكلة أهل الحكم أنهم يحكمون شعباً من نوعية الشعب المصرى، الصغير فيهم قبل الكبير يقول لك إنه خرم التعريفة، ودهن الهوا دوكو، ويفهمها وهى طايرة، هذا الشعب يعرف عن يقين أن للفساد فى هذا البلد رب يحميه.
لا أحد يطالب بأخذ الناس بالشبهات، ولكن لا أحد يستوعب أن يسكت أهل الحكم جميعاً بلا أى رد فعل حيال كل هذه الأرقام التى يتواتر الحديث عنها أمام الناس نهباً من أموالهم ثم لا ينبس أحد من أهل الحكم ببنت شفة، ملفات الفساد وبالأرقام وبالوثائق ترفع إلى الجهات العليا وتوضع فوق الرف لحاجة فى نفس المطنشين على فساد الفاسدين.
فهمونا ماذا يعنى كل هذا السكوت أمام المعلومات والمذكرات التى ترفع لكافة أجهزة الدولة تتحدث عن مليارات الجنيهات المفقودة فى ميزانيات الصحف والمؤسسات الصحفية التى ظل قادتها على كراسيهم طوال ربع قرن جرت فيه أكبر عملية نهب منظم لأموال هذه المؤسسات بدون حسيب ولا رقيب، حتى إذا أخرجوا منها وفاحت روائح فسادهم تزكم الأنوف لم يحرك أحد ساكنا، وكأننا نتحدث عن هدر أموال شعب "ماكرونزيا" العليا الشقيق، ألا يوجد أحد يرد على كل هذه الاتهامات بالفساد الذى وصل للركب من عشر سنوات وزاد وغطى حتى سارت بقصصه الركبان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة