لا أظن أن القضاء يجب أن يخضع لأى مواءمات من أى نوع، لأن القاضى فى هذه الحالة سيجنب القانون، ويحكم بوجهات نظره الشخصية، حول كيفية تحقيق هذه المواءمات، أى يعطل القانون حتى لا يثير حساسية هنا أو هناك، وهذا بدون أدنى شك سيفتح باب الجحيم لأننا نلغى بإرادتنا الحرة الأسس الراسخة للعدل.
لذلك فالقضاة الذين حكموا بإلزام الكنيسة بمنح تصريح الزواج الثانى ليسوا مخطئين لأنهم طبقوا القانون. ولست مع الزملاء والأصدقاء الذين كتبوا يعاتبونهم بدعوى أن الحكم صدر فى الوقت الخطأ، أو مثلما كتب بوضوح أكبر الصحفى الكبير دكتور عبدالمنعم سعيد فى أهرام 14-6-2010 تحت عنوان «أسباب كثيرة للقلق»، مؤكدا أن السلطة القضائية يسرى عليها ما يسرى على بقية السلطات من ضرورات الحساسية المطلقة (لاحظ الكلمة) لأوضاع الدولة وتاريخها وتركيبتها الدينية والإثنية، بحيث لا يكون الانتصار للقانون سببا لتقويض الأسس والتفاهمات الكبرى التى قامت عليها الدولة من الأساس.
المشكلة هى أن هذه الاعتبارات التى قالها الدكتور عبدالمنعم تقديرية، ومن ثم سوف تختلف من قاض إلى آخر، وبالتالى ينتفى جوهر العدل، وهو المساواة المطلقة بين الخصوم، وبذلك نفتح الباب واسعا أمام الهوى.
دعنى أذكر الدكتور عبدالمنعم برفض الجمعية العمومية لمجلس الدولة تعيين القاضيات، ورد الرافضون بأنه اعتداء على الدستور والقانون، وهذا ليس من حق القضاة أو غيرهم، ورفضنا جميعا ما قاله بعضهم حول مواءمة عمل المرأة فى هذه المهنة الشاقة، أو حول مواءمات من نوع اللحظة الحالية والثقافة السائدة.. إلخ.
المشكلة الثانية هى أن المجتمع ممثلا فى سلطته التشريعية هو الذى وضع هذه القوانين، وهى بالتأكيد تعبير عن مواءمات وتوازنات قوى، لكنها فى النهاية تمت ترجمتها فى نصوص لابد أن يلتزم بها كل القضاة، وإذا أراد المجتمع أن يغير هذه القوانين فعليه ألا يلجأ إلى القاضى على المنصة، فهذه ليست مهمته، ولكنها مهمة السلطة التشريعية المنتخبة من الشعب.
وذلك حتى يتحقق ما طالب به الدكتور عبدالمنعم من أن المواطنة تعنى ما يحقق السلامة الروحية والنفسية فى الأمور الشخصية، بحيث نترك له حق الاختيار ما بين زواج دينى أو مدنى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة