الأزمة الأخيرة التى يشهدها مرفق العدالة بين القضاة والنيابة من جانب والمحامين من جانب آخر، ليست نتاج هذا الاعتداء الذى تم بين مدير النيابة واثنين من المحامين سواء كان الاعتداء الأول الذى تعرض له المحامون داخل غرفة السيد مدير النيابة أو الاعتداء الثانى الذى وقع على السيد مدير النيابة، سواء صحت الروايات من الطرفين أم اختلفت، المهم أن الأزمة أعمق من ذلك. قد تتجلى من حين لآخر فى شكل منازعات أو اشتباكات إلا أن الأسباب الحقيقية لم تعالج بعد.
الحقيقة التى يجب أن ندركها وأن تكون بمثابة أحد أهم الدروس التى يجب أن نخرج بها من هذه الأزمة هى إعادة الاعتبار إلى حق الدفاع ومهنة المحاماة من جانب ووضع قواعد لعلاقة متوازنة مع النيابة العامة كسلطة تحقيق من جانب آخر بما يحقق الاستقامة لمرفق العدالة وأن يطمئن المواطنون على حقوقهم.
إن كل من يعتقد أن العدالة يمكن أن تتحقق فى غياب المحامين واهم وغير مدرك للحقوق الأساسية للمواطنين، فحق الدفاع بالأصالة والوكالة مضمون بموجب الدستور، كما أن الحق فى المحاكمة العادلة والمنصفة من الحقوق المنصوص عليها فى المواثيق الدولية، ولا تعد المحاكمة عادلة ومنصفة إلا إذا تحققت شروطها وأهم هذه الشروط القاضى الطبيعى، ومحكمة منصوص عليها بالقانون وقانون تطبقه المحكمة صادر عن السلطة التشريعية وحق الدفاع للمحامين لتفنيد أدلة الاتهام، لذلك أصدرت الأمم المتحدة إعلانا بالمبادئ الأساسية لتعزيز استقلال القضاة والمحامين، وربطت الأمم المتحدة بين تعزيز المهنية والاستقلال والحيدة والنزاهة للقضاة ومهنة المحاماة، هذا الربط يؤكد على أن جناحى العدالة هما القضاة والمحامون وبدون أحدهما لا تستقيم العدالة.
إن الحل للأزمة الحالية له شقان الأول قصير المدى يتم ببساطة بإعلاء سيادة القانون، بما يعنى أن تطبيق القانون على أى شخص أيا كان موقعه وأيا كان انتماؤه فالمواطنون أمام القانون سواء، فالمحاميان اللذان تمت محاكمتها، رغم أننا نرى أن الحكم الصادر من محكمة طنطا ضد المحامين خالف القانون إلا أن الطريق إلى تصحيح ذلك يتم عبر اللجوء للمحكمة الأعلى وليس بلقاءات الصلح والاعتذار، كذلك الشكوى والبلاغ المقدم من المحامين ضد السيد وكيل النيابة يجب أن يتم تحقيقه وإحالته للقضاء فليست هناك كرامة أهم من أخرى، فكرامة المحاماة واجبة الاحترام مثل كرامة الهيئات القضائية ،الشق الثانى يتعلق بوضع قواعد لحماية وتعزيز حق الدفاع وذلك بضمان حصانة لمهنة المحاماة وحق الدفاع ينص عليها فى قانون المحاماة.
فهناك تعديلات جوهرية تتعلق بقانون الإجراءات لضمان أداء المحامين لحق الدفاع أثناء التحقيق أولها فصل سلطة الاتهام عن سلطة التحقيق والعودة مرة أخرى إلى قاضى التحقيق ووجوب أن يكون حضور المحامى فى كل درجات التقاضى وجوبيا، وأخيرا التعويض عن الأخطاء القضائية فكل الأخطاء التى تقوم بها السلطة التنفيذية يمكن إلغاؤها والتعويض عنها أمام القضاء الإدارى، فإذا كانت الأخطاء القضائية يترتب عليها حبس مواطنين سنوات حبسا احتياطيا ثم يحكم له بالبراءة، ألا يستحق هذا المواطن تعويضا عادلا يجبر الضرر الذى حاق به هو وأهله. إن تطوير العدالة فى مصر وتعزيز استقلال القضاة لا يكتمل بدون تعزيز وحماية حق الدفاع. فهل يحمى القضاة حقوق الدفاع كما دافع المحامون عن استقلال القضاة؟.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة