لم أكن أرغب أن أكون البادئ بالحديث عما أسماه صديقى العزيز الكاتب المميز سعيد الشحات أسئلة شائكة تواجه «الجمعية الوطنية للتغيير»، وأعترف أن مقاله هذا بالإضافة إلى مقال صديقنا الكبير الأستاذ حمدى قنديل فى جريدة الشروق ومن بعد إعلان استقالته هو والدكتور حسن نافعة من الجمعية، كل ذلك شجعنى لكتابة هذه السطور.
تخوفت قبل ذلك أن يكون حديثى مثبطاً لآمال انعقدت على البرادعى ومشروعه، وخشيت أن يحسب أى كلام حول البرادعى فى خانة الهجوم عليه، وهى خانة لا أود لقلمى ولا لنفسى أن نكون فيها فى يوم من الأيام، ولكن حين بدأت الخلافات داخل المنتمين إلى المشروع، القريبين من الرجل، تظهر بواسطتهم إلى العلن، وبعد أن قرأت النداء العلنى الذى وجهه الأستاذ الكبير حمدى قنديل إلى كل أنصار التغيير وطلب منهم فيه مناشدة الدكتور البرادعى البقاء بيننا، والإفصاح عن نواياه وتصوراته عن المدى الذى يرى أن مسيرة التغيير يمكن أن تصل إليه، بعدها تخففت من أثقال كانت تؤرقنى فقررت الكتابة حول الموضوع.
رغم أن الأسئلة التى طرحها الشحات كانت مطروحة بالفعل داخل صفوف الذين تحلقوا حول البرادعى خاصة فى الآونة الأخيرة، وبعدما اكتشفوا أنه سوف يكون فى القاهرة لمدة أسبوع يسافر بعدها إلى الخارج ويرجع لمدة قصيرة أخرى يعاود بعدها السفر إلى ما بعد أكتوبر المقبل ففرض السؤال عن جدية المشروع نفسه على الجميع، ولما لم يتمكنوا من الحصول على إجابات شافية على هذه الأسئلة من الدكتور البرادعى ظهرت إلى العلن استقالات، وسوف تظهر قريباً حقيقة الخلافات، ما يعنى أننا أصبحنا أمام نكسة جديدة على طريق التغيير الذى يبدو مليئاً بصعاب لم تكن تخطر على بال أصحاب النوايا الحسنة والمتشوقين إلى يوم الخلاص.
أقول إن البرادعى فرصة سنحت، ولكنها ضُيّعت من اليوم الأول الذى تجمع حوله كثيرون لالتقاط الصور، ثم حين تحول بيته إلى مزار وطني، وبازار سياسي، يقصده الجميع أفراداً يجمع بينهم رغبة عارمة فى التغيير وشوق جارف إلى تحقيقه، ثم يفرق بينهم الطريق إلى هذا التغيير ومضمونه وأهدافه المرحلية والإستراتجية.
قطار البرادعى وصل مبكراً إلى محطته النهائية لأسباب عدة منها ما يخصه، ومنها ما يخص المنضمين إلى مشروعه، ومنها ما يخص المناخ العام المواكب، وربما كان من أهم الأسباب التى تخص الدكتور البرادعى أنه لم يتوقع على وجه الدقة ثقل مهمة التغيير، ولا هو تصور مدى الصعوبة التى سوف تواجهه من رفاق الرحلة قبل الذين يعرقلون خطواته على الطريق، ولقد قلت ولا زلت أكرر إن السهام التى وجهت إلى مشروع البرادعى لم تكن من الحكومة وحزبها فقط، بل جاءته سهام كثيرة وبعضها قاتل، جاءته من أحزاب المعارضة، ومن المعارضة خارج الأحزاب، بسبب نرجسية البعض، أو بسبب قصور رؤية البعض، أو بسبب عجز البعض الآخر عن مواكبة مشوار التغيير حين لا يكونون فى مقدمته.
مشروع البرادعى ينطوى على عيوب خلقية منذ اللحظة الأولى لتخلقه، أولها أن البعض تصور أنه يمكن لمشروع يقصد التغيير يمكن أن يحوز إمكانيات النجاح بعيداً عن ساحة التيارات الرئيسية التى تتحرك فى الشارع السياسى منذ عقود طويلة، تيارات لها أفكار وسياسات، ولها أنصار ومناصرين، تيارات لا يمكن تجاوزها ولا التغاضى عن وجودها، وثانى هذه العيوب الخلقية فى مشروع البرادعى أنه فصل ما سياسى عما هو اجتماعى وهو عيب كل المشاريع التى تطرحها النخب المعارضة مقصورة على المطالب السياسية وحدها دون المطالب التى تهم ملايين الناس، وثالث هذه العيوب الخلقية أن البعض تصور أن الفرصة أصبحت سانحة لإخراج مشاريعهم الخاصة وتحريكها فى خضم المياه الكثيرة التى جرت فى نهر التغيير من ساعة وصول البرادعى، فأساءوا إلى مشاريعهم قبل أن يسيئوا إلى المشروع التغيير نفسه.
مهما كانت النتائج، وأياً ما كان قرار البرادعى والذين حوله، فلا يجب أن نضيع الأمل الذى انعقد على وجود البرادعى فى المشهد السياسي، ولا أن نخسر هذه المجموعات الكبيرة التى انضمت إلى مشوار التغيير، وعوَّلت كثيراً على شخص الدكتور البرادعي، وقد أعطاهم صورة جديدة للسياسى لم يجدوها بالطبع فيما هو مطروح عليهم من أحزاب وقوى سياسية ربما ملوا من وجودها الطويل بدون إنجاز يذكر.
لست أنعى إليكم مشروع البرادعى، ولكننى أتصور أهمية التنبه إلى أن الجمعية الوطنية للتغيير يجب أن تستمر وأن تنشط وأن تجذر وجودها بين الناس بوجود البرادعى أو بدونه، وأحذر من التعويل مجدداً على الفرد فى إحداث التغيير المنشود، فالتغيير قضية كل المجتمع، كل الناس، كل أصحاب المصلحة فيه، التغيير هو قضية كل القضايا، وهو أكبر من أى حزب بمفرده، وأكبر من أى فرد ولو كان حزباً وحده.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة