لم يعد هناك أدنى شك لأى شخص مثقف فى هذا العالم أن الرياضة عامة، وكرة القدم خاصة، هى الجانب الوحيد الذى يلتف حوله كل الشعب (أى شعب) فى القارات الست.
حتى أولئك الكارهون للرياضة ولكرة القدم أو غير الفاهمين فيها أو غير المتابعين لها لم يعد أمامهم إلا الاعتراف الكامل بصعود أسهم الرياضة والكرة إلى القمة.. فوق أى جانب آخر فى حياتنا.
فوق الثقافة وفوق الفنون وفوق العلوم.
صحيح أننا بحاجة ماسة إلى الثقافة والفنون والعلوم.. وبها ترقى الشعوب وتتقدم.. ولكن الرياضة تعادلها فى القيمة وتزيد عليها فى الشعبية والانتشار والتأثير.
وها نحن وخلال نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2010 فى جنوب أفريقيا نلمس حجم الانتشار الواسع لكرة القدم أينما ذهبت.. وبعد أن كان الرياضيون يتسولون قبل قرن من الزمان الاقتراب من أهل السياسة والنفوذ، تحولت الأمور وانقلبت رأسا على عقب.
وها هم كبار السياسيين فى بلاد العالم يتعلقون بأحبال الرياضة، ويسعون لكسب المزيد من رصيدهم عند شعوبهم عبر اهتمام أكبر بكرة القدم، ومن خلال قنوات اتصالهم بمنتخباتهم ونجومهم.
وبحوزتنا عدد من القصص والحكايات والأخبار عن انغماس الرؤساء والملوك والأمراء والحكام فى كل القارات بكرة القدم.. ونظرا لأن المساحة المخصصة لنا لا تتسع لجزء من الألف من تلك الحكايات نكتفى بانتقاء أبرزها أو أشهرها بحكم أسماء الرؤساء أو مكانة بلادهم فى المجتمع العالمى.
ونكتفى بالإشارة لما حدث من الرئيسين الأمريكيين الحالى والسابق باراك أوباما وبل كلينتون مع فريقهما الرائع فى المونديال الحالى. كلينتون فاجأ الجميع بذهابه إلى جنوب أفريقيا وحضور مباراة بلاده ضد الجزائر.. وهو الذى غاب عن المباراة النهائية لكأس العالم 1994 فى لوس أنجيلوس عندما كان رئيسا، وواجباته تحتم عليه الذهاب إلى الملعب فى بريتوريا.. وجلس كلينتون بين سيب بلاتر وعيسى حياتو رئيسى الاتحادين الدولى والأفريقى لكرة القدم.. وظل هادئا طوال اللقاء، ولكنه لم يخف فرحته بعد هدف الفوز الثمين لدونوفان فى الوقت بدل الضائع.. وكان كلينتون دبلوماسيا إلى أقصى درجة، ولم يعترض على مشجع جزائرى اقترب منه كثيرا فى مقصورة الشرف ووضع كوفية كبيرة بألوان علم الجزائر حول عنقه بعد المباراة.. وظل الرئيس الأمريكى السابق محتفظا بالكوفية الجزائرية لبعض الوقت دون أن ينزعها.. وحرص كلينتون على النزول لغرفة ملابس اللاعبين عقب المباراة واحتفل معهم بالفوز وسط موجة من الغناء والشراب والتصوير فى تواضع كبير.
أما الرئيس أوباما وهو لم يكن يوما ممارسا ولا هاويا ولا مشجعا لكرة القدم، فقد تحول مائة وثمانين درجة مع المونديال الحالى.. واستقبل اللاعبين والجهاز الفنى وأعضاء الاتحاد فى البيت الأبيض قبل سفرهم إلى جنوب أفريقيا.. ووعدهم بأعلى مكافاة فى تاريخ كرة القدم، وتصل إلى 24 مليون دولار فى حالة الفوز بكأس العالم.
وتابع كل المباريات باهتمام بالغ، وعلى الهواء مباشرة، وخصص جزءا من اجتماعه مع رئيس الوزراء البريطانى ديفيد جيمس فى اليوم السابق لمباراة البلدين للحديث عن اللقاء، وداعبه بالمراهنة لمصلحة المنتخب الأمريكى.. ورغم أن اجتماعه مع الجنرال بيترايوس، القائد الجديد للقوات الأمريكية وحزب الناتو فى أفغانستان، كان على أعلى درجة من الأهمية (والذى تزامن مع مباراة أمريكا مع الجزائر) فإنه توقف غير مرة خلاله لمشاهدة ألعاب خطيرة لفريقه على مرمى الجزائر.. ووقف من مكانه وصافح الجنرال بعد هدف دونوفان، واستقبل اتصالا هاتفيا من ابنته بعد اللقاء مباشرة لتهنئته على الفوز.. وأجرى اتصالا بالبعثة فى اليوم التالى، وظل معهم على الهاتف لأكثر من ربع الساعة.. وطلب الحديث شخصيا مع الحارس تيم هوارد للاطمئنان على إصابته.
الولايات المتحدة الأمريكية.. الدولة الأكبر والأقوى والأغنى والأعلى نفوذا وتأثيرا لم تكن يوما من الدول المهتمة بكرة القدم، وحتى السبعينيات من القرن الماضى.. وعندما لاحظ المسؤولون الأمريكيون فى عصر نيكسون حجم الاهتمام والشغف العالمى بكرة القدم.. بدأوا حملة شعبية عملاقة من القاعدة ومن القمة لإحياء اللعبة والنهوض بها.. ونظموا مسابقة محلية غنية بأشهر وأمهر النجوم من كل بلاد العالم وعلى رأسهم البرازيلى بيليه والألمانى بيكنباور والهولندى كرويف والأيرلندى جورج بست.. وأقاموا مئات من مراكز التدريب للصغار فى المدن المختلفة وفتحوا لها الأبواب فى المدارس الابتدائية للبنين والبنات.
واليوم لدى الولايات المتحدة أكبر عدد من الصغار الممارسين لكرة القدم فى العالم، ويتجاوزون حاجز عشرة ملايين لاعب أو شبل مسجل فى الاتحادات المتنوعة بالولايات المختلفة.. وهو عدد يزيد على أقرانهم فى الصين والبرازيل وروسيا.
والمنتخب الأمريكى الذى غاب عن نهائيات كأس العالم منذ عام 1950 وحتى 1990 أصبح ضيفا دائما فى المونديال منذ عام 1990 فى إيطاليا وحتى 2010 فى جنوب أفريقيا بلا انقطاع.. بل تمكن فى أكثر من دورة من عبور الدور الأول وها هو فى 2010 يتصدر مجموعته قبل إنجلترا وسلوفينيا والجزائر.
الحقوا بركب الرياضة سريعا قبل أن يفوت الأوان.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة