ما إن انتهى مونديال جنوب أفريقيا حتى استدارت الرياضة المصرية 180 درجة مهرولة إلى عادتها وطباعها، دون أن تتوقف عند الدروس المستفادة من هذا الحدث الكروى الكبير فيما يخص الكرة المصرية.. ولم تضيع وقتا وهى تبحث عن الإثارة، فنرى أزمة «جدو» تزداد انفجاراً، وتابعنا احتكاكاً غريباً ليس له مبرر بين جمهور الأهلى ورجال الأمن فى مباراة ودية.. بينما توقف بعض العقلاء يفكرون ويتأملون نجاح جنوب أفريقيا فى استضافة المونديال دون مشاكل كما كان متوقعاً، وسألوا أنفسهم: هل تستطيع مصر فعلاً تنظيم كأس العالم؟ ثم ضحكوا مع أنفسهم أيضاً وهم يتحسرون على بلد الريادة الذى ربما لا تكون لديه القدرة على نيل شرف التنظيم إلا بعد أن يتغير العالم، وليكن ذلك مثلاً عام «3010»!!.. هم يمنحون الرياضة المصرية ألف سنة قادمة لتحاول التواجد فى لوحة شرف تنظيم المونديال، وهى اللوحة التى تضم الدول القادرة المعبرة بالرياضة عن تقدم اقتصادى واجتماعى وسياسى.. لأن القدرة تتداخل فيها عوامل كثيرة غير رياضية.. فالرغبة فقط لا تكفى ولابد أن تتبعها قدرة.. العجز بكل أنواعه يعتبر حائلاً للتحول من الرغبة إلى القدرة، وهذا نفهمه حتى فى حياتنا العامة البسيطة.. فلا يمكن مثلاً أن تنجح علاقة زوجية لمجرد وجود الرغبة فى إقامة علاقة.
وإذا سألت قيادياً بارزاً فى الرياضة: هل نستطيع فعلاً تنظيم كأس العالم؟ وهل لدينا خطة مثلاً لإعداد فريق يتأهل بسهولة للمشاركة فى المنافسات؟ يقول لك: يا سيدى يا ترى مين يعيش.. ومن يطرح هذا السؤال يجد نفسه محاصراً بين تشاؤم من هم خارج دائرة الإدارة الرياضية وتفاؤل بدون أساس لمن هم فى داخل الدائرة.. وفى الحالتين لا ترى ولا تعثر على رؤية محددة يطرحها فرد أو مؤسسة.. بينما فى إسبانيا الفائزة بكأس العالم يكشفون الآن لماذا هم فازوا ولماذا تفوقوا فى ألقاب كثيرة ويعيشون الآن عصرهم الذهبى.. لأنهم خططوا منذ منتصف الثمانينيات لكى يجعلوا استضافتهم لأولمبياد برشلونة 1992 نقطة انطلاق وتحول فى مسيرتهم الرياضية على كل المستويات، وخططوا وزرعوا أسس النجاح ليدركوه بعد ذلك فى حصاد باهر تم تتوجيه بأعلى سقف من الإنجازات وهو الفوز بكأس العالم.
ويستطيع المتابع الجيد لواقعنا الرياضى أن يرصد أبرز ظواهر سلبياتنا القاتلة.. ولو كنت قريباً من مسؤول بارز تجمعكما ثقة متبادلة وصداقة وطيدة واقترحت عليه فكرة جيدة للتنفيذ.. سيكون أول رد منه هو القول: يعنى أن أعمل واللى بعدى ييجى ياكلها على الجاهز.. هذه الإجابة هى التى تحكم فكر الإدارة الرياضية فى مصر.. يأتى المسؤول ليعمل لنفسه أولاً لينعكس عمله على المصلحة العامة ثانياً، وليس العكس.. لا يوجد من يفكر للبلد، هناك فقط من يفكر لأفراد، وهى مشكلة كبيرة وعويصة لأن القضاء عليها لا ينفع معه قانون ولا لائحة ولا قرار، حيث إنها قضية أخلاقية فى المقام الأول.. أخلاق الناس تدهورت وتخلصت من معاناة تأنيب الضمير والخوف من الحرام.. أصبحت الأنانية مشروعة، ويحللها الأنانيون لأنفسهم مثلما تحلل الراقصات الرقص عراياً ويعتبرنه مهنة تخضع أيضاً لقانون الضمير والتوفيق ومراعاة الشرائع الدينية رغم أنه حرام فى الأصل.. ومثلما يحلل اللص سرقة لص آخر.. إنه انهيار أخلاقى هو بالتأكيد السبب الرئيسى فى الانهيار العام، وهو ما قلب معايير شغل الوظائف ومقاعد العمل العام.. فصاحب العمل لا يتمنى أن ينضم إليه موظف كفء بقدر ما يتمنى أن يعمل معه موظف أمين بنصف كفاءة.. والمؤكد كذلك أن الدولة لا تصدر أوامر تشجع على سوء الأخلاق والأنانية، لكنها قادرة على ذلك بأن تكون مجرد قدوة سيئة لشعبها.. يكفى أن يرى الشعب فساد حكومته فيسير فى ركبه فتكتمل منظومة الفساد لتشمل المجتمع كله، بحيث يصبح العلاج مستحيلاً فى كل مناحى الحياة والأمل مفقوداً فى تنظيم كأس العالم حتى لو بعد ألف سنة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة