أتمنى أن أعرف وألتقى بهذا الإنسان العربى الجاهل والخائب والغبى والساذج والمعتوه الذى لا تعرف غيره صحافة العرب وشاشاتهم قارئاً ومشاهدا.. ولابد أنه إنسان مهم وغال واستثنائى جداً لدرجة أن كل الصحف والشاشات والمواقع الإلكترونية العربية على استعداد دائم لأن تتجاهلنا.. أنتم وأنا.. لأننا بالنسبة لها مجرد أصفار لا قيمة لها بجانب هذا المواطن الاستثنائى الذى لا أعرف حتى اسمه أو ملامحه.. ولكى أكون أكثر تحديداً ووضوحاً.. دعونى أقول لكم الحكاية من أولها.. فالحكاية بدأت بقرار اتخذته إدارة شبكة السى إن إن بإنهاء التعاقد مع الإعلامية اللبنانية الأصل، أوكتافيا نصر التى كانت كبيرة محررى شؤون الشرق الأوسط بالشبكة الشهيرة، بعدما كتبت أوكتافيا تعليقاً على موقع تويتر حول وفاة الإمام الشيعى محمد حسين فضل الله، الزعيم الروحى لحزب الله اللبنانى.. كتبت أوكتافيا تؤكد أنها حزينة جداً لسماع نبأ وفاة فضل الله أحد قادة حزب الله الذين تحترمهم كثيراً.. وما إن ظهر تعليق أوكتافيا وتناقله زملاؤها فى السى إن إن وخارجها، حتى كان قرار الاستغناء عن خدماتها بعد عشرين سنة قضتها أوكتافيا هناك تكتب وتحلل وتمارس عملها بحرفية عالية والتزام دائم.. وبالطبع جاء الخبر عبر وكالات الأنباء وشاشات التليفزيون والصحافة الأمريكية.. وهنا انتفض الإعلام العربى ثائراً وغاضباً وصارخاً كأنه محام خائب فى قاعة محكمة اكتشف فجأة الدليل على براءة موكله فى القفص.. وتوالت العبارات والصرخات والتعليقات.. هذا هو الإعلام الأمريكى.. هذه هى الحرية الأمريكية.. هكذا يحترمون فى أمريكا الرأى والرأى الآخر.. وها هو الدليل على انحياز أمريكا وإعلامها لإسرائيل على حساب كل العرب وحقوقهم ومواقفهم وآرائهم.. وتعددت الدعوات والمطالبات العربية سواء الإعلامية أو الفردية على شبكة الإنترنت والفيس بوك بالوقفات الاحتجاجية والمواقف الحاسمة للتضامن مع أوكتافيا نصر ضد هذا الظلم والتعنت الأمريكى.. ضد هذه الفضيحة الأمريكية الصارخة التى تم اكتشافها مؤخراً.. والمثير فى الأمر أن كل من شارك فى هذا الصراخ المكتوب أو المسموع أو المرئى أمامنا.. كان مزهوا بنفسه للغاية كأنه سبقنا كلنا لاكتشاف حقيقة هامة جداً ومفاجئة جداً وموجعة جداً.. كأن العرب جميعهم.. قبل أوكتافيا نصر.. لم يكونوا يعرفون أن أمريكا ليست معهم وليست على الحياد مع إسرائيل.. وهو ما يؤكد أن وسائل الإعلام العربية قطعاً لا تخاطبنا نحن.. وإنما هى تخاطب رجلاً واحداً فقط.. غبياً وجاهلاً وساذجاً.. عاش كل السنين الماضية وهو لا يعرف ولا يفهم وكان ينتظر فصل أوكتافيا نصر ليبدأ المعرفة والفهم والإدراك.. وبالطبع بدا واضحا تماما أن هؤلاء الغاضبين العرب لا يحفلون بنا نحن أو بعقولنا وبما نعرفه ونفهمه ونتيقن منه منذ سنين وعبر وقائع كثيرة جداً لاحصر لها.. بدا واضحاً أيضاً أنهم لا يعرفون إلا هذا الغضب الأحمق.. وأنهم حين يغضبون لا يواصلون البحث أو القراءة.. والدليل أنهم لا يزالون حتى الآن ينتفضون ويصرخون بصوت زاعق للدعوة للتضامن مع أوكتافيا.. وفاتهم أن أوكتافيا نفسها اعتذرت للسى إن إن وأكدت أنها لم تكن تقصد، وعلى نفس موقع تويتر كتبت أوكتافيا تؤكد اعتذارها وتقول: لقد أخطأت بكتابة هذا التعليق على فضل الله وأشعر بالأسف لأن ما كتبته أظهر أننى مؤيدة لما قام به فضل الله أو حزب الله وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق.. وأنا واثق أن أياً من هؤلاء الغاضبين والثائرين على الإنترنت لم يكلف نفسه أى عناء ولم يبذل أى جهد ليقرأ اعتذار أوكتافيا للأمريكيين وبقى يطالبنا كلنا بالوقوف والغضب والتظاهر تضامنا مع أوكتافيا التى ذبحها الأمريكيون.. نسيت أن أشير أيضا إلى أن هؤلاء الغاضبين تعاملوا مع الأمر كأنه اكتشافهم الخطير الذى توصلوا إليه بعد جهد ومعاناة نجحوا بهما فى اختراق أسرار الإعلام الأمريكى وهتك ستره وفتح أبوابه.. بينما كانت السى إن إن نفسها هى التى أذاعت الخبر، وهى التى قالت ماذا قالت أوكتافيا ولماذا قررت الشبكة الاستغناء عن أوكتافيا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة