برغم أن الانتهاكات الأكثر شيوعاً فى مصر، هى الانتهاكات الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية لاسيما إذا أخذنا فى الاعتبار أعداد الضحايا لهذه الانتهاكات بالمقارنة بضحايا الحقوق السياسية والمدنية، فإن هذه الحقوق هى الأقل اهتماماً من قبل الأحزاب والقوى السياسية، بينما تجاهد منظمات المجتمع المدنى لوضعها فى أجندة اهتمامات الحكومة والمسؤولين، والطريف أن الحكومة ومسؤوليها يعلنون عن إنجازات وأرقام ما أنزل الله بها من سلطان، ويدّعون أن الفقراء لن يشعروا بالمعدلات الحالية للنمو ولكن إن شاء الله فى المستقبل غير المعروف سيشعرون !، ولكن تبدو الصورة مختلفة، فبمراجعة الواقع نجد أن منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى تدهور شديد، وهذا ما كشفته المنظمة المصرية فى تقريرها السنوى حول حالة حقوق الإنسان عام 2009 والذى أعلنته مؤخراً.
ومما يدعو للاستغراب فى هذا الصدد، التفاوت الرهيب بين أرقام المنظمات الدولية والجهات الرسمية. فعلى سبيل الثال تؤكد تقارير وزارة التنمية الاقتصادية أن نسبة السكان تحت خط الفقر قد تراجعت من حوالى 24 % عام 1990 إلى 16 % عام 2009، ومن المستهدف الوصول بالمعدل إلى 12 % عام 2015، فيما تؤكد تقارير البنك الدولى أن 52% من المصريين يعيشون على أقل من دولارين يوميا، وأن نحو 23% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر. أما تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2009 فأشار إلى أن معدلات الفقر فى مصر تبلغ 41% من إجمالى عدد السكان، واحتلت مصر المرتبة الثانية فى ارتفاع معدلات الفقر بعد اليمن (59%).
وبخلاف ظاهرة انهيار المنازل والعمارات السكنية فى جميع أنحاء الجمهورية على حد سواء، والتى يذهب ضحيتها الأبرياء، والإخلاء القسرى لقاطنى بعض المنازل، نجد أن بلدنا يعانى من ظاهرة العشوائيات حيث الافتقار إلى المرافق الأساسية من مياه وصرف صحى وكهرباء، وارتفاع معدلات الجريمة، والافتقار إلى الخصوصية نتيجة ضيق الفواصل بين المساكن، ومشاركة أكثر من أسرة فى مسكن واحد أو الاشتراك فى المرافق الداخلية مثل الدورات والمطابخ، وتنفيذ كثير من المبانى دون مراعاة كاملة للاعتبارات الفنية ولكود البناء؛ وهو ما يؤثر على عمرها الافتراضى، وكذلك تداخل الأنشطة الصناعية والتجارية والحرفية الأخرى مع المناطق السكنية بصورة تزيد التلوث البيئى، والافتقار إلى المساحات الخضراء أو أماكن الخدمات أو الترفيه، وعدم كفاية الخدمات الصحية والتعليمية ؛ وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة الأمية وسوء الحالة الصحية.
وأخيراً، فإنه برغم هذه الأموال الطائلة والشعارات البراقة من قبل الحكومة، يبقى السؤال: هل ما تعلنه الحكومة ينسجم مع ما يكشف عنه واقع حقوق المواطن المصرى البسيط الذى لا يجد فرصة للعمل، ولا مسكن، ولا علاج، ولا بيئة صحية، ولا تعليم جيد، ولا تأمين اجتماعى، كل ذلك يجعلنا نسأل السادة المسؤولين: أين هى أبسط حقوق الغلابة فى مصر ومن يحميها على النحو الذى يضمن العيش بكرامة للإنسان المصرى، ويحترم آدميته كشريك فى ثروات هذا البلد؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة