برغم تأخر الحكومة المصرية فى إصدار قانون لمنع تضارب المصالح، لاسيما أنها تضم عددا لا بأس به من الوزراء وأصحاب المصالح والشركات، كما أن البرلمان به نسبة من هؤلاء الذين يتولون مسؤوليات رئاسة لجان مهمة فى مجلس الشعب أو مجلس الشورى، فإن الرأى العام كان يتوقع أن تلتزم الحكومة بتشريع يضمن لهم أنه لن يتم استخدام السلطة للتربح غير المشروع، أو الاستيلاء على المال العام، أو تحقيق منافع بسبب إصدار قرارات، أو إطلاق سياسات يكون هم أول من يعرف بها، المهم أن الحكومة بعد أن انتشرت الأخبار عن الفساد والتربح واستخدام السلطة والنفوذ وطالت هذه الأخبار مسؤولين سابقين وحاليين، قررت أن تصدر قانونا لمنع تضارب المصالح.
وفى الحقيقة برغم أهمية هذا القانون، فإننا نرى أن هناك ضرورة لإعادة النظر فى كل التشريعات والقوانين المعنية بحماية المال العام ومكافحة الفساد أو الكسب غير المشروع، وكذلك الأجهزة الرقابية أو السياسية هل بالفعل لديها الاستقلالية لكى تقوم بمكافحة حقيقية للفساد، والحصانة تقف -سواء للسادة الوزراء أو البرلمانيين- كعقبة أو قيد أمام هذه الأجهزة للتحرك بالسرعة اللازمة والقيام بالتحقيق وجمع الأدلة والإحالة للقضاء.
فى الواقع القوانين القائمة كانت صالحة فى ظل النظام الاقتصادى الاشتراكى الذى كان فيه القطاع العام مملوكا بالكامل للدولة وهو الذى يدير النشاط الاقتصادى، وما نحتاج إليه فى الحقيقة ليس قانونا واحدا بشأن منع تضارب المصالح، وإنما حزمة تشريعية لمكافحة الفساد.
وتتمثل أولى الحزم التشريعية المقترحة فى تنقيح القوانين الخاصة بالتربح والاستيلاء على المال العام والرشوة والاختلاس؛ وثانيها ضرورة تعديل القوانين الخاصة بالأجهزة الرقابية لدعم استقلالها وتعزيز دورها فى مكافحة الفساد وحماية المال العام والملكية العامة وأصول الدولة المصرية؛ وثالثها مكافحة الإفلات من العقاب من خلال الحصانات الممنوحة للمسؤولين، وهذا يعنى ضرورة مراجعة قانون محاكمة الوزراء ليطبق على مصر بعد انتهاء الوحدة المصرية السورية، ورابعها تعزيز دور المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية فى مكافحة الفساد بعد تعزيز حقها فى التقدم بالبلاغات والشكاوى وإجراء عمليات تقصى حقائق وذلك لتحقيق الرقابة الشعبية ومساعدة الأجهزة الرقابية فى مكافحة الفساد وذلك فى تفعيل للمادة 13 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وخامسها، إصدار قانون تداول المعلومات وتحقيق الشفافية لكل القرارات الحكومية والعقود والمزايدات، ولن يتأتى ذلك إلا بعد توسيع هامش الديمقراطية وتفعيل دور مؤسسات الدولة، وتعزيز قيم المحاسبة والرقابة للبرلمان وتعزيز قدرته فى محاسبة السلطة التنفيذية.