من أمد بعيد وأنا أشعر بأننا مصابون من داخلنا بالهزيمة النفسية، وأن مواريثنا الفكرية لا تنبع من ديننا بل من تعاليم دخيلة على هذا الدين،، حقاً إنه منذ الهجمة العسكرية على بلاد المسلمين والدين فى كل مجالات الحياة فى تقهقر، بدءا من النظم السياسية مروراً بالتجارة والفنون والعلوم الإنسانية والآداب، ولكن يظل الدين هو المكون الأساسى للفرد خاصة العربى والمسلم منه، ولقد رأيت ملحدين كثر عندما تمر به الأيام ويقترب من حافة الموت يتذكر الموت والبعث والحساب، ولكنه يظل محافظاً على إلحاده ظاهريا حتى لا يقول الناس إنه حدثت له ردة فكرية فى نهاية حياته.
إن القضايا الكثيرة المعاصرة التى تحتاج إلى نظر عميق واجتهاد جديد كثيرة ومتشعبة إلا أننا يمكن أن نشير إلى أن أهم هذه القضايا، ومنها مسألة ولاية المتغلب أو المتسلط، والمقصود بها هو أن يقوم حاكم ويستولى على الحكم بالقوة، ثم يطلب من الناس أن يبايعوه، أو تكون البيعة والاختيار بالإكراه وحتى لو بويع لا يصبح حاكما شرعيا للمسلمين، لأن البيعة عقد مراضاة واختيار، وهو ما يشبه الحاكم الذى يأتـى عبر انقلاب عسكرى أو أن يأتى عبر انتخابات مزورة أو يتسلط على الناس بإجبارهم على انتخابه باعتبارهم موظفين فى الدولة، فكل الأشكال التى تصب فى النهاية إلى ولاية حاكم بدون بيعة شرعية من الناس ليس إجبارا أو إكراها أو استخداما للقوة فهى ولاية غير شرعية وهو حكم ليس عليه أى دليل من كتاب أو سنة. وكان سبب انتشار هذا الحكم هو الاستسلام للواقع الكئيب الذى سيطر على فقهنا عدة قرون، فرضى باغتصاب السلطة، وأعطى الحكام المتغلبين صفة شرعية! ورضى بانحرافات ثقافية واجتماعية أخرى.
ويخيل إلى أن انهزام دولة الخلافة الراشدة، ثم انهزام القوى المعارضة كلها فى عصور وأمصار شتى ترك فى النفوس عقدة لا تحل.
بيد أن الله لا يرضى أن تهمل هداياته على هذا النحو ثم يترك المفرطين دون عقاب. ونحن مسلمى العصر الحديث، نذوق ثمار تفريط قديم، ولكننا ورثنا نظريةً الوحى الإلهى مصوناً، كما ورثنا رغبات عميقة فى العودة إلى الحق.
وأرى ونحن نبنى مستقبلاً جديداً لديننا ودنيانا، أن نعيد النظر فى ما ورثناه من عقود مضت فى أحكام فقهية لم تستند إلى نص من كتاب أو سنة، ولا يجب أن نعظم هذا القول أو الرأى لأن فلانا من العلماء المسلمين قد أفتى به. فإن الحق حجة لنا وعلينا، وليس قول أو فتوى لا نعلم مصدرها غير الرضا باغتصاب قيادة الأمة من شخصيات غير مؤهلة لقيادة حارة فى شوارع القاهرة.
ولقد فزعت عندما رأيت فقهاء وعلماء السلطة فى تاريخنا المعاصر تتبنى حكم ولاية المتغلب لفرض حكام على الأمة أتوا عبر انتخابات مزورة أو لأنهم من نسل بيوت لا يوجد ما يميزها من الشرف أو المروءة.
إننا شباب هذا الجيل نعانى من فتنة مزدوجة فنحن ننظر إلى الممارسة السياسية للجيل الأول فى صدر الإسلام، ورجلا قام إلى عمر ليقاوم اعوجاج عمر بالسيف، وحرية سياسية تمارس فى الغرب غير الإسلامى فى مصدر تشريعاته، وبين خطباء وعلماء محسوبين على الإسلام يعرضون عليه أفكارا مستبدة باسم الإسلام ويطلبون منا أن نستسلم إليها لأنها من عند الله وهم كذبة.
إن الإسلام فى عصره الأول يقول بالشورى والبيعة وعلماء هذا الزمان يقولون لا يجوز الخروج على الحكام بدعوى أنهم متغلبون، وهذا لا يوجد عليه دليل إلا سيطرة الأنظمة على عقول ومقدرات الشعوب فى العالم الإسلامى.
*باحث فى شئون الإسلام السياسى.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة