فى 22 يوليو 2008 شهد مضمار الملعب الأوليمبى فى العاصمة السويدية ستوكهولم، فوزا تاريخيا للعداء الجامايكى أوسين بولت على نظيره الأمريكى تايسون جاى للمرة الأولى فى التاريخ.
وانبرى الخبراء والإعلاميون فى الحديث عن المفاجأة المذهلة التى يندر حدوثها، ويستحيل تكرارها من بولت أمام الصاروخ البشرى جاى.
ولكنهم جميعا خابوا فى توقعاتهم.. وانطلق بولت من نصر إلى نصر سواء على حساب جاى أو غيره من عدائى العالم.. وسيطر تماما على كل سباقات السرعة لمسافتى 100 و200 متر برقمين عالميين جديدين.. وتوج باستحقاق فريد بطلا لدورة بكين الأوليمبية الأخيرة 2008، محرزا ذهبيتى السباقين.. وأضاف إليهما ذهبية التتابع 4 مرات للمائة متر، وبرقم عالمى جديد مع الفريق الجامايكى.. وأكد بولت تفوقه الكاسح على جاى وبقية منافسيه فى بطولة العالم الأخيرة فى برلين 2009، محتفظا بذهبيتيه الفرديتين.. وبقى بولت متفوقا على جاى بجدارة تامة على مدار عامين وأسبوعين متتاليية، دون أدنى خسارة فى أى مكان أو زمان.
وتحول بولت الذى أطلق اسمه على مطار عاصمة بلاده إلى أسطورة البطل الذى لا يقهر.. وتوج بكل جوائز الرياضة العالمية من الصحف والجهات المختلفة.
ولكن كل ذلك لم يقتل الطموح عند تايسون جاى، ولم يفقده الأمل فى استعادة الفوز على بولت.. ولم يقلل من جديته فى المران، وسعيه إلى التطور مؤمنا أن الرياضة بل الدنيا- لاتقف يوما عند أى شخص وإنما حالها يتقلب من يوم لآخر.
وأخيرا جاء يوم السادس من أغسطس 2010 وعلى نفس الملعب فى ستوكهولم لينهى جاى عامين وأسبوعين من الجفاف فى مواجهة بولت وهزمه فى سباق 100 متر.. وهى الهزيمة الأولى لبولت عبر 15 سباقا متتاليا فى المائة متر وعلى مدار عامين.
وسيطر جاى على السباق منذ البداية، محققا زمنا أفضل فى الانطلاق ثم زاد من المسافة بينه وبين بولت عند منتصف السباق، وحافظ عليها حتى النهاية.. وسجل جاى زمنا قدره 9 ثوان و84 جزءا من المائة، وهو رقم قياسى جديد للبطولة والملعب مقابل 9 ثوان و94 جزءا من المائة لبولت.. ومنحت اللجنة المنظمة للبطولة ماسة وزنها قيراط لنجاحه فى تحطيم الرقم القياسى للبطولة.. وأعلن فور استلامها، أنه سيهديها إلى والدته.
والغريب أن السباقين الأخيرين اللذين جمعا البطلين فى 100 متر عدوا، شهدا تحطيم بولت للرقم العالمى فى كل مرة، هابطا بالرقم إلى 9 ثوان و72 جزءا من المائة فى عقر دار منافسه فى نيويورك الأمريكية ثم طوره إلى 9 ثوان و58 جزءا من المائة فى بطولة العالم فى برلين.
كل المقدمة السابقة كانت ضرورية ليتعرف القارئ الكريم على حجم سعادة وإنجاز تايسون جاى بالفوز الأسطورى على أسرع رجل ظهر فى تاريخ البشرية.. وهو فوز يدير الرأس عند أى إنسان فى العالم إلا جاى.
العداء الأمريكى الفذ قال فى أول تصريحاته للصحافة: سعادتى بالفوز لا تخفى علمى ويقينى أن منافسى أوسين بولت ليس سليما مائة بالمائة.
وأضاف جاى: لا أخفى سرا أننى ذهلت عند منتصف السباق عندما نظرت أمامى ولم أجد بولت فى المقدمة كما يفعل دائما.
وكان بولت قد تعرض لإصابة ثقيلة فى الوتر الرئيسى للساق اليمنى - وتر أكيلس- وغاب بسببها عن المضمار طويلا، وعاد مؤخرا ولكنه ظهر أبطأ وأضعف.. وهو اعترف بشجاعة أنه يحتاج مزيدا من التدريبات لاستعادة قوته التى خذلته عند الانطلاق فى خط البداية.
والآن إلى الدروس المستفادة من الأمر.
أولا: لا يأس على الإطلاق فى عالم الرياضة.. والأمل موجود لأى لاعب أو فريق لاستعادة النصر مهما طالت فترة هزائمه زمنا وعددا.
ثانيا: الفوز ولو كان أسطوريا لا يغير أبدا من سلوكيات البطل الحقيقى أو المتزن ولا يطيح بعقله.. وكم كان جاى رائعا فى تصريحاته التى منحت منافسه قدرا هائلا من الاحترام.
ثالثا: الإصابات قدر يصيب الرياضيين، ويقلل من كفاءاتهم ويحد من استمرارهم.. ولكن العجلة فى الشفاء وفى العودة إلى المباريات لها ثمن باهظ.. ودفعه بولت فى ستوكهولم بخسارة ليست فى الحسبان.
رابعا: وهو الأهم.. أن الإعلام الرياضى الغارق فى العلم والمعلومات والإحصاءات والأرقام، قدم لنا فى تغطيته للبطولة والسباق والخبر كل كبيرة وصغيرة عن البطلين وتاريخهما ومواجهاتهما وأرقامهما.. ولم تأت التغطية مبتورة أو ناقصة لأننا لسنا فى مباراة أو بطولة لكرة القدم.
فى الحكاية دروس متعددة للاعبين والمدربين والأبطال ومنافسيهم ولرجال الإعلام وللجمهور أيضا.
ترى متى نستفيد من تلك الدروس؟
ونشاهد يوما على الشاشات برنامجا كاملا عن ألعاب القوى أو السباحة أو الجمباز.. والأهم أن نشاهد له جمهورا يتابعه فى البيوت والمقاهى.
كل عام وأنتم بخير بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة