لا يوجد فى العالم الرياضى مثلنا
نحن البلد الوحيد عالميا الذى يبحث ويفتش وينقب عن تحقيق الخسائر فى الرياضة بكل جدية واهتمام وتركيز.. والخسائر هنا ليست الهزائم فى مباريات كرة القدم ولكنها الخسائر المالية والإعلامية والتربوية والسلوكية.
الخسائر التى تهز صورة واسم مصر وأنديتها ولاعبيها وحكامها وإعلامها فى كل مكان على ظهر الكرة الأرضية.
وهذا الأمر لا ينصب على مجلس إدارة اتحاد كرة القدم فحسب ولكنه يمتد إلى كل الجهات من الأندية واللجان والمؤسسات التى تتعامل مع كرة القدم ونهاية باللاعبين طبعا.
وصار شعارنا فى كرة القدم المصرية.. البحث عن الخسائر.
لو بدأنا باللاعبين.. هل يمكن لأحد أن يصدق ما حدث من أربعة من أكبر موهوبينا فى توقيت واحد دون أن يكون بينهم اتفاق؟
محمد ناجى جدو ومحمد زيدان وعماد متعب وشيكابالا، أربعة نجوم قادوا الفراعنة فى أنجولا لفوز مصر بكأس الأمم الأفريقية لكرة القدم للمرة الثالثة على التوالى.. وياله من إنجاز فريد.
ولكنهم سقطوا جميعا فى فخ واحد.. وهو عدم الالتزام ومخالفة العقود.
جدو وقع عقدا مع الاتحاد لتمديد عقده وذهب برغبته بعد أيام قليلة إلى نادى الزمالك ليوقع له وعلى بياض، مفجرا أزمة هى الأكبر فى تاريخ انتقالات اللاعبين بعد واقعتى عصام الحضرى وحسنى عبدربه.
ومحمد زيدان نجم بروسيا دورتموند الألمانى تعرض لإصابة عنيفة تبعده عن الملاعب شهورا طويلة ووفر له ناديه أفضل وأغلى سبل العلاج.. ولكنه لم يعد إلى ناديه فى الموعد المقرر لاستكمال العلاج مؤكدا أنه ممنوع من مغادرة مصر لارتباطه بالخدمة العسكرية.. وكشف المسؤولون فى وزارة الدفاع عدم صحة الأدعاء.
وعماد متعب انتهى عقده مع الأهلى فى هدوء وانتقل إلى بلجيكا ووقع برغبته لنادى ستاندرد لييج وتقاضى مقدم العقد وعاد إلى القاهرة ليطمئن على شقيقه المريض.. ولكنه رفض العودة مدعيا السبب نفسه الذى ذهب إليه زيدان وأكمله برغبته فى الانفصال عن النادى البلجيكى والتوقيع فى يناير المقبل لناد مصرى.
وشيكابالا ذهب برغبته إلى بلجيكا وطرق أبواب نادى أندرلخت ووقع له عقدا لمدة أربع سنوات رغم أنه لا يزال مرتبطا بعقده مع الزمالك.. وعاد ليسأل ناديه الاستغناء وعندما فوجئ بالرفض التام واستحالة الاستغناء رضخ للأمر الواقع واستمر فى الزمالك الذى سيدخل صراعا قانونيا فى الفيفا مع أندرلخت حول شيكابالا.
ومن اللاعبين إلى الأندية.
الأهلى الأكبر والأغنى لا يعرف حتى الآن الاستفادة من أكبر جمهور لأى ناد فى العالم سواء على الصعيد المالى أو على صعيد التسويق أو حتى على صعيد الدعم فى المباريات.. وخسائره أكبر مما يتخيل أى إنسان فى مبارياته المقامة على ملعبه بسبب تضاؤل الحضور الذى قد لا يتجاوز خمسة آلاف مشجع كما حدث أمام اتحاد الشرطة فى افتتاح الدورى.
وخسائر النادى فى صفقاته مثيرة للدهشة لأنه يشترى اللاعبين أى لاعبين- بأعلى الأسعار لأنه الأهلى ويبيعهم لاحقا بأدنى الأسعار محليا لأنه يعجز عن قيدهم أو عن إيجاد مكان لهم لتضخم قوائمه باستمرار.
ويكفى أن نعرف أن آخر نجمين غادراه إلى أوروبا فى أكبر فرصة لتحقيق المال للأندية المصرية لم يعد للأهلى منهما حتى الآن دولار واحد وهما عصام الحضرى وعماد متعب.
والزمالك ليس أحسن حالا من الأهلى فى الأمرين السابقين ولكنه أكثر خسائر فى معاركه الفاشلة التى يدخلها بلا أى داع سوى لادعاء أنه مظلوم أو مضطهد.. وهو دخل قضية إيقاف اللاعب أحمد عيد وإعادة مباراته مع حرس الحدود وخسرها وقضية إيقاف جدو وخسرها، غير قضايا أخرى مماثلة وكلها بلا أى فائدة أساسا للنادى.
وخسائر الإسماعيلى والاتحاد السكندرى أكبر من تفنيدها.. وكلاهما عاجز عن تسوية أموره المالية دون مساعدات خارجية ودعم من المحافظة ومن الجهات المختلفة وعشاق الناديين.
والانحسار الجماهيرى فى المدرجات خسارة مؤسفة.. وأصابنى الألم الشديد عندما تابعت مباراة غير مهمة فى المرحلة الثانية للدورى السعودى بين ناديى النصر والفتح، وكلاهما ليس بين الأربعة الكبار الموسم الماضى.. وشهد اللقاء الممتع فنيا وتحكيميا وانتهى لمصلحة النصر 4-2 أكثر من عشرين ألف متفرج فى ملعب الأمير فيصل بأعلامهم وأدواتهم.
ونحن فى مصر نضع العراقيل كل يوم للجماهير لنحول دون ذهابها إلى الملاعب ما بين مواعيد غريبة وبث مباشر لأهم اللقاءات.. وغير خاف على أحد صعوبة المواصلات ومهانة الدخول للمتفرج على الأبواب حيث يعامل وكأنه مجرم إلى أن تثبت براءته.. وكذلك تدنى الخدمة فى الملعب وسوء السلوك الذى يلقاه البعض بلا مبرر.
خسائرنا معظمها بأيدينا.. وبعضها يأتى عن عمد وبعد دراسات مستفيضة للوصول إلى أكبر قدر من الخسائر.
ربنا يسامحهم.