لا أتفق كثيراً مع القائلين بأن حسم إقامة المشروع النووى السلمى فى مصر على أرض الضبعة هو معركة فى حرب «التوريث» المعلنة، والتى تدور رحاها الآن فى مصر، ويقود أحد أطرافها السيد جمال مبارك أمين السياسات فى الحزب الوطنى وما يمثله من تيار يعبر عن مصالح مجموعة رجال الأعمال تعمل من أجل الحفاظ على مكاسبها وترى فى دعم ترشيح مبارك الابن فى انتخابات الرئاسة القادمة تحقيقا لمكاسبها ومصالحها واستمراراً لها.
أؤكد أننى لا أتفق مع هذا الاختزال لقرار مبارك فالقرار الحاسم من الرئيس فى الأسبوع الماضى بإقامة المشروع على أرض الضبعة والبدء فى تنفيذه فوراً جاء معبراً عن طموح وآمال ومطالبات وطنية بامتلاك مصر مشروعها النووى السلمى الذى تجمد وتوقف تماماً تحت ضغوط خارجية فى عام 86 وبقرار سياسى أيضاً وإلى أجل غير مسمى فى الوقت الذى كانت فيه دول أخرى فى المنطقة والعالم تقطع أشواطاً كبيرة فى السباق المحموم لامتلاك برامج نووية مدنية وعسكرية قوية وبقيت مصر خارج السباق وغابت عن الساحة رغم سابق خبرتها وامتلاكها المقومات الأساسية فى مجال الطاقة النووية.
وفى رأيى أنه من الظلم البين أن يختزل قرار سياسى بإقامة هذا المشروع الوطنى واعتبار صدوره من الرئيس مبارك مجرد «ضربة معلم» من الرئيس لجناح التوريث، والنظر إلى جناح الرئيس مبارك على أنه جناح «الاستقرار والوطنية» الذى يحارب التوريث، وهذا اختزال يعكس الخلل فى التفكير والتعامل مع قرار يعبر عن قضية قومية ظلت إلى وقت طويل مضى حلماً ومطلباً. فمصالح الأمم ومشاريعها الوطنية لايمكن أن تكون لعبة أو حيلة من حيل الصراع والتنافس على السلطة والحكم. الأمر الثانى أن تلك النظرة فى التعامل مع قرار الضبعة تعكس قدراً كبيراً من عدم الثقة فى قدرة الرئيس على إدارة دفة الحكم وشئون البلاد وأنه مازال الحاكم الحقيقى ومازال يمسك بزمام الأمور، واعتباره مجرد طرف فى صراع عبثى على مصير الدولة من بعده، وهذا أمر يبعث على الخوف والقلق ويشيع حالة عامة من عدم التصديق فى أية قرارات حتى لوكانت تتعلق بقضايا تمس مستقبل مصر وأمنها القومى.
وحتى إذا اعتبرنا قرار الرئيس مبارك «ضربة قوية» ضد مشروع التوريث فمرحبا به ومرحبا بصدور قرارات أخرى مشابهة إذا كانت فى الصالح العام وضد التوريث، فنحن فى انتظار قرارات رئاسية جديدة فى طريق الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى وفى طريق التغيير الديمقراطى المنشود لوأد مشروع توريث رجال الأعمال تماماً والقضاء عليه ولو فعلها الرئيس سنصفق له ونشد على يده ونؤيده.
بصراحة نريد أن نصدق أنه مازال هناك رجل عاقل وشريف فى سدة الحكم يؤرقه حاضر مصر ومستقبلها ويقلقه تراجع دورها ومكانتها فى محيطها الإقليمى.