محمود طرشوبى

حل الدولتين.. رؤية تاريخية

السبت، 11 سبتمبر 2010 07:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يظن كثير من الناس أن الحل الوحيد، بل والحل العادل لقضية فلسطين، حل الدولتين، وعندما يقال مشروع حل الدولتين لم نعد أمام موضوع مجرد، وهو إقامة دولة فلسطينية على الأرض التى احتلت عام 1967 بعد تحريرها، وإنما أصبح الحل النهائى للقضية بما يعنى التنازل عن 80% من فلسطين هذا إذا لم تبتلع المفاوضات التى ستصل إلى اتفاق الدولتين أغلب القدس وجزء مقدر من الـ20% الباقى.

وهو أسوا من الحل الذى رفضه العرب فى 1947 بعد قرار التقسيم الصادر عن عصبة الأمم، واعتبر العرب أن اليهود ما هم إلا مجموعة من العصابات الخارجة التى تحتاج إلى التأديب، ولذلك دخلوا الحرب ضد هذه العصابات، والتى كانت من التسليح والتنظيم أفضل من الجيوش النظامية العربية، والعجيب أن إنجلترا كانت هى المسيطرة على معظم البلاد العربية تقريباً التى دخلت فلسطين، ولذلك لا نستطيع أن نمنع أنفسنا من القول بأن دخول هذه الجيوش كان تحقيقاً لمخططات انجلترا بتفريغ فلسطين من سكانها وإيجاد الكيان الحقيقى لما يسمى بدولة إسرائيل، وهذا عين ما حدث، فقد دخل الجيش المصرى الحرب وإنجلترا مصممة على خروجه منها بهزيمة، تضاف إلى انتصارات إسرائيل ولتأكيد وجودها داخل المجتمع الدولى، وأيا كانت الأسباب التى ألحقت الهزيمة بالجيش المصرى، سواء كانت التخريب المتعمد داخل الجيش من حيث المعدات والتدريب والتنظيم، أو الأسلحة الفاسدة التى ساهم الإنجليز وعملاؤهم فى توصيلها إلى الجيش، أو بالضغط لقبول الهدنة، ولقد قرأت مقالا لأحد الأكاديميين الإسرائيليين يتعجب فيه من قبول العرب للهدنة رغم الانتصارات، ولكنها خطة الإنجليز والتى أجبرت الجيش العراقى أيضا على الانسحاب بدون أن يسلم المناطق التى استولى عليها لأحد الجيوش العربية، ومن ثم استولى اليهود على هذه المناطق الخالية من أى قوات عربية، أما الأردن فقد سلم الملك عبد الله منذ سنة 1947 بدولة اليهود، وسلم بها من بعد الملك حسين فى سنة 1953، وسجل ذلك رسميا ودوليا فى عدة وثائق سرية وعلنية بشكل لا لبس فيه، لذلك لم تعد الأردن طرفا فى المسألة من أول يوم وجدت فيه إسرائيل، ولذلك كان دخول الجيش الأردنى تحت قيادة الجنرال جلوب ما هو إلا نوع من الغطاء لإبعاد العمالة الصريحة والمباشرة للإنجليز ولمساعدة اليهود بقدر الإمكان فى التغلب على القوات الأخرى وخاصة المخلصين منهم.

وهكذا تم التغلب على أصعب مشكلة فى إقامة دولة إسرائيل وهى إخلاء الأرض من السكان العرب وهو ما حدث بعد الحرب المصطنعة من قبل الجيوش العربية 1948 وخرج أهل فلسطين من ديارهم وصاروا أسوأ المشردين مدة نصف قرن أو يزيد وبالتالى كان لابد من تكملة مخطط زرع هذا الكيان الشيطانى فى قلب البلاد العربية وأن يعترف أهل المنطقة بوجود يهودى فى البلاد، دولة فلسطين أو دولة إسرائيل، أو أى شكل من الأشكال التى تضمن وجودا يهوديا يعترف به أهل المنطقة ويقبلونه كما اعترفوا وقبلوا بالوجود المسيحى فى لبنان، هذا هو أساس المسألة عند الجميع لا فرق بين إنجلترا وأمريكا، فمتى وجد هذا فقد حلت المسألة ونفذت المخططات وما لم يوجد هذا فانه يستحيل أن يوجد أى حل.
ولكن المسألة لم تكن مسألة الأردن، حتى ولا مسألة سورية ولبنان، وإنما هى مسألة المنطقة كلها وعلى رأسها مصر، وظلت المسألة تسير منذ سنة 1948 فى طريق إخضاع مصر.
إلا أن مصر لم يكن من السهل على أى حاكم أن يجعلها تسلم بوجود يهودى فى فلسطين، وإذا كان الملك حسين قد استطاع إذلال الفلسطينيين وإذلال أهل شرق الأردن وإخضاعهم، وإذا كان حكام سورية من اليمينيين والبعثيين استطاعوا قهر أهل سورية وإسكاتهم فإن مصر لم يستطع أى حاكم إخضاع أهلها والتسليم بارتكاب جريمة التسليم بوجود يهودى فى فلسطين فضلا عن الاعتراف به أو قبوله، لذلك طال أمد القضية.

وأصبحت المسألة كيف يرضى أهل فلسطين بحل الدولتين، وأين يسكن أهل فلسطين، فجاء دور استثمار الفدائيين، وجاء استثمار أهل فلسطين بحجة الانتهاء نهائيا من وجود يهودى فى فلسطين، ومن أجل ذلك تحركت القوى نحو الفدائيين وتحركت القوى نحو الفلسطينيين، ووضعوا فى الدوامات المهلكة حتى يتخذوا الأداة الفعالة للانتهاء من مسألة الوجود اليهودى فى فلسطين.

لقد أخرج ملف الفلسطينيين ووضع على الطاولة للتنفيذ منذ سنة 1964، وأخذت تتقاذفه أيدى حلفاء أمريكا ومعهم بعض زعماء فلسطين وزعماء الفدائيين، وأيد أخرى أمثال الملك حسين وحزب البعث، فكانت محاولة فبراير فى الأردن سنة 1970 ثم مذبحة أيلول فى الأردن سنة 1970، ثم كانت محاولات الملك حسين ومازن العجلونى ووصفى التل للقضاء على الفلسطينيين ثم على شوكة الفدائيين، كل ذلك كعمل من أعمال إسكان الفلسطينيين لإنهاء مسألة فلسطين.

أما بريطانيا فقد اتخذت من الحليف التاريخى لديها الأردن قاعدة لهم للمنطقة كلها، وأداة لإسكان الفلسطينيين فى فلسطين لإيجاد الدولة الفلسطينية العلمانية، وكشفوا عن ذلك منذ سنة 1964. وأما الأمريكان فإنهم لم يكشفوا أوراقهم إلا سنة 1970 بعد أن جدوا فى التنفيذ، فقد كانوا يقولون بإيجاد دولة فلسطينية فى فلسطين أى بما يسمى بالضفة الغربية، وكانوا يخفون ما يبيتون من تمزيق شرق الأردن وإقامة دولة فلسطينية فيها للفلسطينيين، ومن اجل ذلك تورط شرق الأردن باحتضان الفدائيين، وتورطت إنجلترا بتشجيع الفدائيين، وتورط الفلسطينيون بالتوطن بشكل كاسح فى شرق الأردن كل ذلك وأمريكا لم تكشف عن مشروعها، إلا عن إقامة دولة فلسطينية فى فلسطين، فلما انتهت من أخذ موافقة مصر على الاعتراف بوجود يهودى فى فلسطين أخذت تعمل لنسف الحكم فى شرق الأردن وإقامة دولة فلسطين على أنقاض الحكم الأردنى، فكان هذا الصراع بين حكومة الأردن وأهل فلسطين، بين الجيش الأردنى والفدائيين، كل ذلك كان صراعا على إسكان أهل فلسطين .

وقد استطاعت مصر ومعها سوريا أن تستميل أكثر الفدائيين للدولة الفلسطينية فى الأردن، فدخلوا فى مفاوضات مع أمريكا فى أول الأمر فأخفقت بإقناعهم، لان منظمة فتح كبرى المنظمات كانت ضد هذه الفكرة، ولكن تأثير مصر قد أوجد رأيا عاما بين الفدائيين وحتى بين الفلسطينيين فى إقامة دولة فلسطينية على بقايا فلسطين، فتحولت اللجنة المركزية بأكثريتها إلى جانب حل الدولتين، وسايرها أو سار معها الجزء الرافض على اعتبار أنه حل ممكن يؤدى إلى إقامة دولة فلسطينية حتى صارت مسألة إقامة الدولة الفلسطينية مسألة وقت عند الكثيرين من الفلسطينيين، وبذلك صارت اللجنة المركزية وصار أكثر زعماء الفدائيين يعملون وكأنهم على وشك تسلم الحكم فى الدولة الفلسطينية ولم يكن ليحدث هذا إلا بعد التخلص من عدد من زعماء منظمات المقاومة الفلسطينية الرافضين تماما للاعتراف باليهود، فكان لابد من تصفيتهم بمساعدة الموافقين وبأيد يهودية وأمريكية وكان إعلان ياسر عرفات الاعتراف باليهود وإقامة الدولة الفلسطينية فى المنفى هو النهاية الكبرى لهذا المشروع.

وتم استغلال انتفاضة 87 لبداية تمرير هذا المشروع، وكان مؤتمر مدريد كبداية لتنفيذ إقامة الدولة الفلسطينية وأعقبه عدة اتفاقيات ومبادرات لم تصل إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وتزامن ذلك مع نشأة عدد من المنظمات الفلسطينية التى تبنت تحرير فلسطين من النهر إلى البحر واعتبرت أن ما تقوم به منظمة التحرير وعلى رأسها فتح هو نوع من خيانة الوطن والعمالة لليهود والأمريكان، ولن أخوض فى نشأة حماس وتاريخها، ولكن وصلت فى النهاية إلى الموافقة على حل الدولتين ولكن بعد مرور عشرين عاماً.

وهكذا وصلت أمريكا إلى أن يكون حل الدولتين هو المشروع الوحيد أمام العالم كله والعربى منه بل وأهل فلسطين أنفسهم، وهو الحل الوحيد لمأساة الشعب الفلسطينى.
والعجيب أن كل المخططات الآن لا تصب إلا فى محاولة لإرضاء اليهود للموافقة على هذا الحل ولمزيد من الضغط على الفلسطنين لتقديم مزيد من التنازلات.

هذا هو وضع المسألة، وهذا هو الطرح الأمريكى والمعروف بمشروع الدولتين وهو مشروع أمريكى خالص وليس مشروعاً "وطنياً" أو "تحررياً" كما يزعم البعض ويدّعى، ولقد بات ذلك واضحاً وضوح الشمس فى رابعة النهار، فلم يعد خافياً أن هذا المشروع هو جزء من المخطط الأمريكى للمنطقة بوجه خاص وللعالم الإسلامى بشكل عام، ولم يعد خافياً كذلك أن أمريكا تُقدّم هذا الحل من منطلقاتها السياسية وأنها لا ترتكز فى طرحه على المسوغات الدعائية والإعلامية المعلنة كـ "تلبية تطلعات الشعب الفلسطينى" أو "تحقيق حلمه بإقامة دولته" أو "إنهاء معاناته" أو غير ذلك مما يحاول البعض إلباسه للمشروع الأمريكى لغرض الترويج والدعاية، كما لم يعد خافياً أن تحرك أمريكا اليوم لحل هذه القضية يقف وراءه محاولة ترميم وجه أمريكا القبيح الذى علاه سمات القتل والإجرام واللاإنسانية وصرف النظر عن مخططاتها الاستعمارية وما تخلفه من مجازر بحق المسلمين فى كل من العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها، كما لم يعد خافياً كذلك أن هذا الطرح يكفل لليهود- وفق النظرة الأمريكية- العيش بأمان فى منطقة العالم الإسلامى ويُمَكِنَهم بصورة "مشروعة" وبإقرار أهل البلاد من أكثر من 93% من فلسطين، ويفتح العالم الإسلامى على مصراعيه أمام النفوذ والسيطرة اليهودية، بينما يُبقى هذا الطرح لأهل فلسطين على استحياء، بلا سيادة على أرض أو ماء أو هواء.

إن أمريكا تظن واهمة أن بمقدورها حسم الصراع فى فلسطين، وتنسى أن فلسطين ترتبط بعقيدة أهلها لا بمصالحهم، لذا فهى غير قابلة للتفاوض أو التنازل وإن زعم البعض تمثيلها ففرّط وضيّع، وتنسى أمريكا كذلك أن أهل فلسطين هم من المسلمين وأن بيت المقدس يرتبط بعقيدتهم برباط الإسراء والمعراج وأن كل شبر من فلسطين قد روى بدماء الصحابة والفاتحين والمحررين من قبل، وأن أهل فلسطين والمسلمين عموماً لن يقبلوا سوى تحريرها ولو بعد حين؟!

إن شدة الحراك السياسى فى المنطقة لا يعنى أن أمريكا قادرة على حل قضية فلسطين، وإن عزم هذه الإدارة على الحل لا يعنى أنه سيقدم أو يؤخر شيئاً فى هذه القضية التى ما زالت منذ ستين عاماً أو يزيد تراوح مكانها بين شدّ وجذب، فإذا ما أدركنا حقيقة الصراع القائم بين المسلمين واليهود، وإذا ما أدركنا ارتباط هذه الأرض بعقيدة المسلمين مع ادعاء يهود الباطل أن الله أعطاهم أرض فلسطين، يمكننا الحكم بأن هذه الأرض لن تقبل القسمة على اثنين وأن الصراع سيبقى قائماً إلى أن يُحسم لصالح أحد الطرفين .

إن تحركات أمريكا لا يعنى قدرتها على التأثير، وإن حملة العلاقات العامة التى بدأتها الإدارة الأمريكية مع العالم الإسلامى مستغلة ورقة القضية الفلسطينية لا يعنى أن هذه القضية قد قفزت إلى سلم أوليات هذه الإدارة فما زالت الأزمة الاقتصادية وأفغانستان والعراق فى رأس الهرم لديها.

إن أمريكا عجزت عن حل هذه القضية فى ريعان شبابها وذروة قوتها فهل تستطيع حلها من بعد ما أصابها داء الأمم ومن بعد ما انتكست فى كافة القضايا السياسية؟!

إن قضية فلسطين ستبقى فى شدّ وجذب كخض الماء فى القربة لا ينتج شيئا، ولن تحل هذه القضية إلا بأن يقوم للمسلمين كيان يأخذ على عاتقه تحرير هذه الأرض وحسم الصراع فيها وإنهاء كيان يهود السرطانى وإعادتها درة فى جبين الأمة.

إن تحرير فلسطين كاملة من أيدى اليهود الغاصبين هو الحل الذى لا حل سواه لهذه القضية وهو الحل الواقعى الوحيد ولا يُنقص من واقعيته أو إمكانية تحققه دعاوى بعض المثبطين أو اليائسين من أمتهم، أو سير المضبوعين والتابعين فى مخططات المستعمرين، وإن الأمة الإسلامية باتت أقرب من أى وقت مضى- برغم كل العوائق التى توضع فى طريقها وبرغم كيد ومكر الماكرين- إلى تحقيق بغيتها بتحرير فلسطين كاملة وكل شبر محتل من أرض المسلمين، وإن غداً لناظره قريب .

(ويَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا).







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة