هل تتدخل الدولة لتنقيتها من المعلومات الخاطئة؟

"أسلحة حرب فلسطين 1948".. "فاسدة" فى الكتب التعليمية فقط!

الأربعاء، 08 سبتمبر 2010 08:11 م
"أسلحة حرب فلسطين 1948".. "فاسدة" فى الكتب التعليمية فقط! حرب فلسطين 1948
كتبت هدير حسن خليل*

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄لميس جابر: "الثورة" أفسدت التاريخ.. وسيّست التعليم ووظفته لصالح السُّلطة
◄كمال مغيث: المناهج يتم وضعها وفقا لاعتبارات.. أهمها الإطار السياسى للدولة
◄يسرى عفيفى: ما يقال الهدف منه الهجوم على "الثورة".. وتزييف التاريخ ليس من مصلحة الدولة

أن يكشف التاريخ اللبس والغموض ويثبت الحقائق حول ما يسمى بـ "قضية الأسلحة الفاسدة"، ولا يزال الناس يعتقدون بها خطأً، إذن فهناك أمر يجب تصحيحه ومعرفة من أين جاء هذا اللبس، فما قاله التاريخ عن قضية الأسلحة الفاسدة فى حرب فلسطين عام 1948، يثبت أن الأسلحة التى حارب بها الجيش المصرى لم تكن "فاسدة"، ولكنها من بقايا الحرب العالمية الثانية، استعان بها الجيش نتيجة تكاتف المعسكر الغربى، ورفضه تصدير الأسلحة للدول التى تحارب إسرائيل، ومنها مصر بالطبع، وحتى الأسلحة التى تم استيرادها، لم تستخدم فى ميدان القتال على الإطلاق، فكان الأمر برمته ما هو إلا عدم استعداد كاف للحرب.

هذا ما أكده المؤرخ العسكرى أحمد حمروش، أحد رفاق الرئيس جمال عبد الناصر، فى كتاب "النكبة وحقيقة نصف الدولة" للكاتبة الصحفية سهى على رجب، حيث قال عند سؤاله عن حقيقة الأسلحة الفاسدة: "إن بريطانيا كانت مورد السلاح الوحيد للجيش المصرى، وكونها مدينة بنحو 400 مليون إسترلينى، ومن ثم قامت بتقديم أسلحة (أى أسلحة) للجيش المصرى على أن يخصم ثمنها من تلك الديون، ولذلك فلم تكن الأسلحة فاسدة ولكن متخلفة لا تستطيع الصمود فى حرب كحرب فلسطين".

إذن، ما السر وراء الظن بفساد الأسلحة فى حرب فلسطين؟!

الدلائل تؤكد بأن الكتب والمناهج التعليمية فى مصر روّجت لهذه الفكرة، وتستطيع أن تكتشف ذلك بنفسك عن طريق الاطلاع على كتاب مادة التاريخ لطلاب الثانوية العامة، كالنماذج التالية:
- "كانت حرب فلسطين عام 1948 من أكبر العوامل التى أدت إلى إثارة السخط والغضب فى نفوس الضباط المصريين الشبان، فقد أدركوا بأنفسهم فى ساحات القتال مقدار الجرم الذى ارتكبه النظام الحاكم فى مصر، وعلى رأسه الملك فاروق عندما أرسلوا جيش مصر إلى الحرب دون تدريب واستعداد بلا أسلحة أو ذخيرة أو معدات كافية لكى يلقى هذه الهزيمة الشائنة." ص198 للعام الدرسى 2007/2008.

-"كانت الأسلحة الفاسدة من الأسباب الرئيسية للثورة عندما أخذت النيابة العامة فى التحقيق فى قضية الأسلحة الفاسدة، أثبت التحقيق اشتراك بعض رجال حاشية الملك فاروق فى صفقات السلاح."ص 199.

د.يسرى عفيفى المدير السابق لمركز تطوير المناهج، نفى ذلك تماما، مؤكداً أنه لا يتم تدريس موضوع الأسلحة الفاسدة للطلاب ولا يقال إنها السبب وراء الهزيمة فى حرب 48، قائلا:

"المنهج يتم كتابته بعد الاطلاع على الوقائع والحقائق التى اتفق عليها المؤرخون، فتزييف التاريخ ليس من مصلحتنا، وأى دولة تقوم بتزوير كتب التاريخ للطلاب لا تصبح دولة، ولكن ما يحدث هو هجمة شرسة على الثورة ورغبة فى العودة إلى الماضى وإلى الملكية والقصور".

إلا أن النص السابق يذكر اشتراك بعض رجال حاشية الملك فى صفقات السلاح، وهو أمر أثبتت المحاكم وقتها تبرئتهم جميعاً منه، وتم حفظ القضية المقامة وقتها عن صفقات الأسلحة الفاسدة وتم العفو فيها عن جميع المتهمين، وهو ما يؤكده الدكتور خالد عزب، المشرف على مشروع ذاكرة مصر المعاصرة، من خلال نشر وثائق لرئيس ديوان المحاسبة وقتها "محمود بك محمد" فى جريدة المصرى اليوم بتاريخ 21 أغسطس 2009 حيث تقول تلك الوثائق:

"إن قضية الأسلحة الفاسدة أخذت دورتها القضائية وبعد قيام الثورة تم إحالة القضية إلى المستشار "أحمد كامل ثابت" الذى نظر القضية فى 9 ديسمبر 1952 ببراءة كل المتهمين وتغريم بعضهم مائة جنيه، بتهمة الإهمال الذى لا يصل إلى حد سوء النية..... كما ثبت أن مدافع 105 ملليمتر وذخيرتها التى استوردتها لجنة الاحتياجات، لم ترسل إلى الميدان ولم تستعمل فى العمليات الحربية فى فلسطين.... كما أرجعت التجارب الأسلحة التى انفجرت فى الجنود إلى جهل الجنود بالعمر الافتراضى لمواسير المدافع مما أدى إلى انفجارها بعد انتهاء عمرها الافتراضى خلال الاستعمال".

كما ورد فى الموضوع أن أسطورة الأسلحة الفاسدة التى زرعت بداخلنا ما هى إلا وهم كبير، إن ما حدث ما هو إلا فساد فى النفوس التى رأت فى هذة المناسبة فرصة للاستيلاء على أموال الشعب والاغتناء على حساب قضية أمة بأكملها.

من جانبها علقت الدكتورة لميس جابر، الكاتبة والمؤلفة، على ذلك قائلة: "إن الثورة فعلت كما يفعل أى حاكم جديد محاولاً تبرير إطاحته بالحاكم القديم، فكذبت كثيراً، ومن ضمن الكذب كانت الأسلحة الفاسدة، وتم فتح ملف القضية مرة أخرى بعد أن حفظت قبل الثورة، انتهى الحكم فيها إلى نفس النتيجة وهى تبرئة جميع المتهمين وحفظ القضية".

وحول كون ملف الأسلحة الفاسدة عالق فى الأذهان إلى الآن، أكدت "جابر" أن السبب فى هذا هو الإعلام والأفلام التى تتناقل واقعة الأسلحة الفاسدة وتتعامل معها على أنها حقيقة، فالإلحاح الإعلامى ثبّت الأسلحة الفاسدة فى الأذهان.

لكن، لماذا لا يتم تغيير ما يقال عن الأسلحة الفاسدة فى كتب المواد التعليمية للطلاب؟

تجيب "جابر" قائلة: الثورة كانت تحاول بكل السبل أن تثبت مكانها، فأخضعت التاريخ للسياسة والسُّلطة، فقاموا بتخريب التعليم و"بوظوه" ليلائم سياسة الدولة، ولكنهم لم يستطيعوا تعديله مرة أخرى، وعند العبث بالتعليم فمن الصعب "تظبيطه" مرة أخرى".

وتضيف "جابر": "لقد أفسدت الثورة التاريخ بدءا من ثورة 19 وحتى حرب فلسطين، ولكى تعوض هذا الفساد ضخّمت من دور أحمد عرابى ومصطفى كامل ومحمد فريد وخاصة أحمد عرابى لأنه رجل عسكرى، وثورة يوليو عسكرية.

ما ذهبت إليه الدكتورة لميس جابر، يؤيده الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوى بمركز البحوث التربوية، قائلا: "إن المناهج التعليمية يتم وضعها على عدة اعتبارات، أهم هذه الاعتبارات الإطار السياسى للدولة وهذا الإطار فى مصر يمنع تصحيح ما قيل عن الثورة وتعليمه بالصورة الصحيحة".

ويضيف مغيث: إن هذا أيضاً يحدث فى كل بلدان العالم، ففى السعودية مثلاً لا يمكن تدريس الإلحاد للطلاب على الرغم من أنه أمر جائز فى ألمانيا، فالأنظمة السياسية تٌطوّع المناهج التعليمية لتناسب سياستها، وهكذا فى مصر، فالنظام السياسى يستمد مشروعيته كونه امتدادا لثورة 23 يوليو، لذلك لن يقدم الحقائق حول قضية الاسلحة الفاسدة، فهو بطبيعته نظام مستبد لا يهمه حتى التحريض أو التشجيع على نسبية المعرفة كأن يعرض لآراء جميع المؤرخين حول هذا الموضوع بمؤيديه ومعارضيه، وهو أمر صعب حدوثه، فهناك الكثير من الأمور التى يقوم بها النظام السياسى لتساعد على استمراريته بالحكم".

*إشراف محمد الجالى، فى إطار مشروع "المواطن الصحفى" التابع للمركز الدولى للصحفيين





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة