سليمان الحكيم

تونس الحمراء

السبت، 15 يناير 2011 07:40 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حين قرر أن يشعل النار فى نفسه بأحد ميادين سيدى بوزيد لم يكن الشاب التونسى محمد البوعزيزى يعتقد أنه سوف يشعل النار فى تونس كلها.. لتصل ألسنة اللهب إلى زين العابدين بن على ونظام حكمه.. إذا كان شاب واحد من أبناء الفقراء والمهمشين هو عود الثقاب الذى تحول إلى كرة من اللهب أخذت تتدحرج فى شوارع تونس وحاراتها لتأكل فى طريقها كل مزاعم الديمقراطية والانفتاح "والمعجزة الاقتصادية"، التى لم تكن أكثر من مجرد ثمرة ناضجة وقعت فى حجر بعض العائلات الحاكمة فى البلاد والتى وصفتها تسريبات ويكيليكس بأنها أشبه بالمافيا!!

هكذا هى نهاية "حكم العائلة" فى كل البلاد التى شهدت هذه الظاهرة فى ماضى الأيام، سواء فى أوروبا الشرقية أو أمريكا اللاتينية أو حتى هنا فى بلادنا العربية.

لم يكن للرئيس التونسى أحد من الأبناء ليمنحه وراثة الحكم.. فقد كان عقيماً.. ربما كما هو الحال فى السياسة أيضاً.. فترك العنان لزوجته ليلى وعائلتها "الطرابلسى" وأقربائه وأقربائها – المطيرى ومبروك – ليعيثوا فى الأرض فساداً.. فاستولوا على أراضى الدولة.. وأسسوا الشركات الكبرى واغتصبوا بعض الشركات من أصحابها.. وحصلوا على الرشاوى من أصحاب الثروات مقابل تقديم التسهيلات التى لم يكن الرئيس يضن بها عليهم بمجرد أن يطلبها أحد أفراد العائلة الحاكمة.

هكذا عمل النظام "العائلى" على تركيز الثروات فى أيدى طغمة قليلة من رجال الأعمال الذين ارتبطوا بالنظام عبر المواقع الهامة والحساسة، سواء بالحكومة أو الحزب الحاكم أو البرلمان.. بينما كانت الأغلبية العظمى من أبناء الشعب التونسى تقف على الضفة الأخرى من النهر فقراء ومهمشين فى عزب الصفيح حول المدن أو فى مناطق عشوائية محرومة من أبسط حقوق الإنسان فى خدمات الدولة.

كان محمد البوعزيزى واحداً من هؤلاء الذين يتكدسون على ضفاف الفقر لا يملك سوى عربة يد يتجول بها فى الشوارع عارضاً بضاعته الرخيصة على من يملك الثمن.. ولكن "البلدية" أو الشرطة لم تتركه وشأنه بحثاً عن لقمه عيش شريفة يقيم بها أود أسرته الفقيرة.. أخذت الشرطة تطارده فى كل مكان يذهب إليه.. فلم يجد بداً من إشعال النيران فى جسده احتجاجاً على وضعه المأساوى.. ومات وهو لا يدرى أنه أشعل النيران فى النظام كله.. بعد ثلاثة وعشرين عاماً ظل خلالها قابعاً على كرسى الرئاسة.. مدججاً بترسانة من رجال الأمن الذين اشترى بن على ولاء قادتهم بالسماح لهم بمد أيديهم إلى قصعة الفساد والرشوة.

هكذا انتهى أحد أنظمة الحكم الفاسدة فى عالمنا العربى.. ولكن الدرس لم ينتهِ.. فرأس النظام الذى فضل الولاء للغرب على الولاء لشعبه هرب بطائرته التى رفضت إحدى الدول الأوروبية هبوطها.. ومنحه الحماية ثمناً لولائه وإخلاصه لها أما الاتباع الذين ظن أنهم يحمون عرشه مقابل ما يمنحه لهم بسخاء كانوا أول من تخلى عنه.. وسارعوا بالفرار بطائراتهم قبل أن تمتد إليهم أيدى الجماهير الغاضبة.

لم تنفعه التوسلات والوعود.. ولم تنقذه التنازلات التى قدمها للشعب فى بيانه الأخير بعد فوات الأوان.. ولم يجد من يصدقه بعد أن صدقوه طويلاً فكذب.. ووعدهم فأخلف.. وبشرهم فتراجع.. وأقسم لهم فأحنث!

والخلاصة.. إذا كانت تونس قد تخلصت من "بن عليها" فهناك أكثر من بن على.. فى أكثر من تونس.. فى الغرب والشرق منها.. وعلى الباغى تدور الدوائر.. فأخيراً وجد الشاعر التونسى أبو القاسم الشابى من يصدقه فى تونس حين قال: إذا الشعب يوماًً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابد لليل أن ينجلى ولابد للقيد أن ينكسر".. وقد استجاب القدر فعلاً لشعب تونس حين أراد الحياة ولابد أنه سوف يستجيب لكل الشعوب التى قررت الحياة حرة كريمة!









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة