سليمان الحكيم

الدين.. أو مؤسسة الأمن الوقائى

الأربعاء، 19 يناير 2011 08:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مرة أخرى يظهر الدين على السطح.. بدأتها حكومة الجزائر بإطلاق كتيبة من "شيوخ السلطة" فيما سمته "حملة توعية دينية"، تدعو الشباب إلى عدم التفكير فى الانتحار، احتجاجاً على سوء الأوضاع، باعتبار أن الإسلام يجرم هذا الفعل ويدرج أصحابه فى قوائم أهل النار!

ليس هذا فقط، بل هناك من هؤلاء المشايخ من يحذر من الخروج على الحاكم، باعتبار أن الخروج على الحاكم المسلم من الأعمال التى نهى عنها الشرع، متهماً من يفعل ذلك بالخروج على الجماعة، وهو من الأعمال التى يدخل أصحابها - فى نظر هؤلاء- فى قوائم أهل النار!

كذلك فإن طاعة الحاكم من الأمور الواجبة على المسلم، بل هى شرط من شروط الإسلام الصحيح، إذ أن طاعة ولى الأمر أو الحاكم واجبة حتى "وإن جلد ظهرك وأخذ مالك".. بل إن الطاعة واجبة حتى "وإن ولى عليكم عبد حبشى"!

ليس هذا فى الجزائر وحدها ولا فى مصر أيضاً، فهناك فى كل بلد عربى يدين معظم مواطنيه بالإسلام كتيبة - أو عدة كتائب- تم إعدادها جيداً من هذه الفئة "المتأسلمة" من أصحاب الفضيلة تحسباً لمثل هذه الظروف التى يخرج فيها المواطنون على حكامهم، احتجاجاً على سوء الأحوال، ورفضاً لظروفهم المعيشية الصعبة!

هكذا تم تحويل الدين إلى مؤسسة تابعة للحاكم.. واحدة من مؤسسات الدولة أو من الإدارات التابعة لوزارة الداخلية.. فأصبحت المؤسسة الدينية تعمل تحت شعار "الأمن الوقائى" التى ينحصر نشاطها فيما تسميه "درء الفتنة" بهدف النأى بالمسلمين عن مخاطرها المؤكدة أو المحتملة، وهى كما هو واضح تسمية دينية لمهمة أمنية فى الأساس!

وفى مصر- وبعد أن تكررت محاولات الانتحار التى قام بها بعض الشباب اليائس - خرج علينا أفراد هذه الكتيبة المتأسلمة بمثل هذه التخريجات المتعسفة لخدمة أصحاب السلطان لإدانة الضحية وتبرئة الجلاد.. وكأن هؤلاء المنتحرين أو من يفكر منهم فى الانتحار سيخرج من نار الدنيا إلى نار الآخرة.. ولابد لأى مسلم عاقل أن يفكر فى الاختيار بين نار الدنيا الهينة، ونار الآخرة الأشد سعيراً!

هكذا أصبح الشاب اليائس "بين نارين" إما أن يعيش ذليلاً مهيض الجناح فى نار السلطة، وإما أن يذهب بقدميه إلى نار أشد وطأة إذا أقدم على الانتحار!

هناك الكثير من الأحاديث النبوية التى تدعو إلى الثورة والاحتجاج على الظلم والظالم.. ولكن يبدو أن هؤلاء الشيوخ قد اختاروا الابتعاد عنها عمداًَ، فلم يفتحوا صفحاتها أو يقتربوا منها، لأنها ضد أهدافهم التى تربوا على الترويج لها، وتسويقها فى أوساط المسلمين، خدمة للسلطان الذى يعيشون فى كنفه مستمتعين بما يوفره لهم من وسائل العيش فى رغد وأمان.

"أفضل الجهاد كلمة حق لدى سلطان جائر".. الساكت عن الحق شيطان أخرس.. ومن رأى منكم منكراً فليغيره بيده.. "وعجبت لمن لا يجد قوت يومه ولا يخرج شاهراً سيفه"، كما قال أبو ذر الغفارى.. وإذا دخل الفقر من الباب هرب الإيمان من النافذة.. كما قال على بن أبى طالب.

وهناك الكثير من الأحاديث والآيات التى تجرم وتحرم كنز الثروات، وأكل الأموال بالباطل، وظلم الرعية، أو الاستئثار بالسلطة، أو الاستبداد بالرأى، وخنق الحريات.. إلخ، لكن أحداً من هؤلاء الشيوخ لا يذكر شيئاً من تلك الأحاديث أو الآيات، فكل ما يعرفه من المصحف الشريف أو كتاب السيرة هو ما يخدم السلطان ويبعد عنه السوء، حتى وإن ظلم أو تعسف أو سرق أو جار!

لم يذكر هؤلاء شيئاً عن تزوير الانتخابات وعلاقتها بشهادة الزور، ولم يذكروا شيئاً عن السلب والنهب والرشوة والتعذيب، والامتناع عن قضاء حوائج الناس.

لا يوجد شىء من ذلك فيما حفظوه أو درسوه، بل لعلهم درسوه وحفظوه وعرفوه ولكنهم الحق الذى لا ينفع والحقيقة التى تضر.. ولا تدر!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة