◄◄ خبراء يحذرون موظفى الحكومة من ابتلاع «الطعم» والاقتراض الاستهلاكى
أثار مشروع «حقق أحلامك» الذى أعلنته وزارة المالية والخاص بإقراض موظفى الحكومة من البنوك بشروط ميسرة، جدلا واسعا فى الأوساط الاقتصادية، كغيره من المشروعات والمبادرات العديدة التى تطرحها الوزارة.
المشروع يتضمن السماح لـ 6 ملايين موظف حكومى بالاقتراض من 5 بنوك هى القاهرة، والإسكندرية، ومصر، وناصر الاجتماعى، ومصر إيران، بفائدة 5.7 %، وهى أقل من الفائدة المعلنة بالبنوك، بهدف تنشيط الأسواق وضخ 15 مليار جنيه خلال العامين المقبلين دون تحميل الموازنة العامة أية أعباء جديدة.
ورغم هذه التيسيرات، فإن الخوف مما يكمن وراء المبادرة لازال المسيطر على موظفى الحكومة وخبراء الاقتصاد بشكل عام، ولعل ما تعرضت له إحدى موظفات وزارة المالية نفسها وتدعى إيمان، خير دليل على المأساة التى يمكن أن يتعرض لها عدد كبير من موظفى الحكومة بسبب القروض.
إيمان تروى قصتها قائلة: «أنا أم لأربع بنات فى سن الزواج وليس لدى سوى مرتبى الذى يتعدى الستمائة جنيه بقليل، قررت الحصول على قرض من بنك الإسكندرية بضمان راتبى بمبلغ 10 آلاف جنيه لفك الضائقة المالية التى تعرضت لها عند خطوبة إحدى بناتى».
وتابعت إيمان: «لجأت للقرض رغم خوفى منه لاحتياجى الشديد، لكننى تعثرت فى السداد، خاصة أن ما يتبقى من مرتبى لا يكاد يكفى احتياجات الحياة اليومية»، مضيفة: «البنك رفع ضدى قضية محجوزة للحكم، وأنا معرضة للسجن فى أى لحظة».
وتنصح إيمان جميع الموظفين بعدم الجرى وراء القروض مهما كانت ضماناتها، لأنها فى النهاية ستنتهى «بخراب البيت»، ورغم عدم إمكانية التعثر فى الحالات العادية بهذا المشروع خاصة أن قسط القرض يخصم مباشرة من الراتب الشهرى، فإن ما سيتعرض له الموظف بعد صرف المبلغ سيكون الأسوأ، بحسب ما تؤكده إيمان.
خبراء الاقتصاد حذروا أيضا من انصياع الموظفين وراء الاقتراض السهل الذى وفرته الحكومة، متوقعين أن تشهد الأسواق حالة من النشاط المؤقت، يتزامن مع ارتفاع فى الأسعار وزيادة فى معدلات التضخم، يعقبه حالة من الركود نتيجة انخفاض الطلب على العديد من السلع، بعد قيام الموظفين بصرف المبالغ التى يحصلون عليها فى توفير احتياجاتهم، علاوة على التأثير السلبى المباشر على ميزانية المواطن.
الدكتور سلطان أبو على وزير الاقتصاد الأسبق يؤكد وجود عدد من المآخذ على هذه المبادرة، وقال: «أنا مشفق جدا على الموظفين الذين سيقترضون هذه المبالغ»، وتابع: «أعتقد أن مصيرهم سيكون هو نفس المصير الذى لاقاه المزارعون الذين اقترضوا من بنك التنمية والائتمان الزراعى وتعثروا».
يوضح أبو على أن التأثير السلبى لهذه المبادرة سيظهر فى زيادة القوة الشرائية لدى الموظفين وتنشيط الأسواق لفترة قصيرة، ثم يعود الوضع لما كان عليه، بل للأسوأ، مشيرا إلى أن موظفى الحكومة الذين سيحصلون على هذه القروض، سيتعرضون لمشاكل كبيرة على المدى الطويل، وستتأثر حياتهم بشدة، خاصة أن معظم هذه القروض سيتم توجيهه للإنفاق الاستهلاكى.
وينتقد أبوعلى هذا الاتجاه فى زيادة الإنفاق الاستهلاكى، قائلا: «لو كانت الحكومة ترى أن مرتبات الموظفين ضعيفة ولا توازى احتياجاتهم، فلترفع المرتبات بشكل مباشر».
الدكتور محمود عبدالحى المستشار بمعهد التخطيط القومى يتفق مع المآخذ السابقة، مشيرا إلى أنه من الخطورة إعلان المالية عن مبادرة للقروض الاستهلاكية، ونحن دولة تستورد 50 % من احتياجاتها الغذائية، متوقعا أن يؤثر هذا بشدة على تفاقم العجز فى ميزان المدفوعات على المدى البعيد، وزيادة التضخم نتيجة وجود سيولة كبيرة بالأسواق مما من شأنه رفع الأسعار.
وقال عبدالحى إنه كان من الأجدى أن تعلن وزارة المالية عن مبادرة لتنشيط القروض الإنتاجية فى المشروعات الصناعية والزراعية، أو وضعها فى شركات مساهمة ليصبح الموظف مالكا لأسهم تدر عائدا، وليس القروض الاستهلاكية.
وطالب عبدالحى بقيام الإعلام بدوره من خلال توعيه الموظفين بعدم الانسياق وراء دعوات الحكومة والبنوك بالاقتراض الاستهلاكى، وقال: «نحن كمواطنين لا يجب أن نبلع الطعم الذى ألقته وزارة المالية لتنشيط الاقتصاد دون تحميل أعباء جديدة على الخزانة العامة، لأنه سيكون له أبلغ الأثر فى زيادة العجز بموازنة الموظفين».
سعد عبدربه موظف بالمحليات بإحدى قرى محافظة الغربية أعلن استعداده للتقدم بطلب للحصول على هذا القرض، حال البدء فيه، بشرط أن يقوم باستثماره فى مشروع صغير يدر ربحا، بما يمكنه من سداد الأقساط الشهرية دون أن تمثل عبئا عليه.
وحول إمكانية الاستعانة بالجمعيات كبديل للقرض، أكد عبدربه أن الجمعيات لا تحل الضائقة المالية فى كثير من الأحيان، خاصة أن الدور قد يتأثر فى الحصول على المبلغ، وحينها تكون الأسعار قد ارتفعت خاصة فى أعمال البناء، التى غالبا ما يقترض الموظف من أجلها.
وأوضح عبدربه أن عددا كبيرا من أصدقائه الذين اقترضوا من البنوك بغرض الاستهلاك المباشر مثل حالات الزواج أو البناء تعثروا فى السداد، لكن فى حالة عمل مشروعات، كانت نسبة التعثر أقل بكثير.
لمعلوماتك..
◄ 30% من إجمالى دخل الموظف هو أقصى نسبة لقسط القرض